طلال سلمان

حتى لا يكون “13 نيسان” مستقبل المنطقة العربية

نشر هذا المقال في “السفير” في 14 نيسان 2009

في جو من القلق والخوف من المستقبل وعليه، يزيد على الندم والخجل من الذات، أحيا اللبنانيون، أمس، الذكرى الثالثة والثلاثين لتفجر وطنهم الصغير بالحرب الأهلية (13 نيسان 1975) التي سرعان ما تمددت حروباً التهمت جيلاً وشوهت جيلاً آخر، على امتداد خمسة عشر عاماً، ودمرت في بلادهم وحدتها وعمرانها ونصيبها من التقدم، فضلاً عن تأثيراتها المدمرة على القضية الفلسطينية.

ولقد زاد من أسباب خوف اللبنانيين اليوم أن نذر الحروب الأهلية تطل مهددة استقرار، بل ربما وجود أكثر من بلد عربي… خصوصاً أن الإدارة الأميركية تكاد تعتمدها نهجاً في جهدها للهيمنة على هذه المنطقة العربية الغنية بمواردها، الفقيرة بل المفقرة بحكامها ومؤسساتها السياسية الكرتونية، في حين تبقى الأجهزة الأمنية فيها أقوى من شعوبها مجتمعة تساهم في إخضاعها لسلطان القمع المحلي ومقتضيات الإلحاق بمصالح الأجنبي: وتحديداً الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي.

ثم إن المخاطر لم تعد مجرد احتمال، بل إنها تكاد تغدو قدراً بشهادة العراق تحت الاحتلال الأميركي، وشعبه الذي كان وعداً بمستقبل عربي أفضل، والذي يكاد يغرق الآن في بحار من دمه المسفوك غيلة في فتن متنقلة ينظمها المحتل ومن والاه، في بغداد كما في شمالها وفي الوسط كما في الجنوب، وفي الشرق كما في القلب المهيض الجناح.

كذلك فإن ما يزيد من مخاوف اللبنانيين أن إخوتهم الفلسطينيين الذين دفعوا مثلهم ضريبة الدم، في الحرب الأهلية (الأولى) نتيجة لتورطهم أو توريطهم فيها، يقفون الآن في بلادهم، التي ما تزال محتلة، على شفا اقتتال أهلي، في ظل حصار (عربي أساساً) لغزة بالمليون ونصف المليون فيها، ومفاوضات عبثية مهينة تقودها السلطة المتهالكة في الضفة الغربية مع الاحتلال الإسرائيلي تحت الرعاية الأميركية فلا تنتج إلا مزيداً من الشقاق بين الإخوة ومزيداً من تهميش القضية وتحقير التاريخ النضالي العظيم وأهدافه السنية.

هل من المبالغة التحذير من تكرار المأساة اللبنانية في أكثر من قطر عربي؟

إن دول المشرق عموماً في حالة اضطراب متفجر من اليمن إلى مصر، كما أن دول المغرب العربي تشهد تصدعات خطيرة تهدد سلمها الاجتماعي.

إن أنظمة العجز العربية تحمي استمراريتها بإشغال شعوبها بأنفسها.

والأقطار العربية، كبيرها قبل صغيرها، تجتاحها حالة غير مسبوقة: يجري تحطيمها من الداخل ومن الخارج معاً، تحت قيادة أنظمتها، التي تزداد خضوعاً للهيمنة الأجنبية بقدر ما يزداد ضعفها وخوفها من شعبها الذي يتحول في نظرها إلى مجموعات من الإرهابيين تحت شعارات سلفية، وليس إلى ملايين بحاجة إلى الخبز والحرية والحق في تحقيق الذات.

*****

لم تصبح مأساة لبنان (1975 ـ 1990) صفحة من الماضي،

إنها نموذج مصغر لمأساة عربية عظمى مفلوشة على صفحات الحاضر، ومرشحة لأن تكون في المستقبل… بل إن الشعوب تخاف أن تكون هي هي المستقبل.

إن شبح الحروب الأهلية يكاد يسد الأفق العربي جميعاً.

إن الأنظمة عاجزة، وعجزها يدفعها إلى المبالغة في قهر إرادة شعوبها. ثم إنها، وبرغم إفلاسها، ترفض أن تترك السلطة أو حتى أن تشرك بها من يحميها من ممثلي شعوبهم. وبما أنها لا تمثل إلا أقلية فإنها تلجأ إلى ضرب وحدة الشعب وتقسيمه إلى مجموعة من الأقليات المتوالدة، ثم

أقليات الأقليات. لتقسم الأكثرية فئات وأطرافاً وأحزاباً وطوائف ومذاهب، ولتنشغل هذه الأقليات بعضها بالبعض الآخر، عندئذ تصبح السلطة الطرف الأقوى، خصوصاً أن الهيمنة الأجنبية حاضرة لدعمها وتعزيز قدراتها في مواجهة شعبها.

*****

من المفارقات اللافتة، في هذه اللحظة، أن يطلب لبنان حلاً لأزمته الداخلية المتفاقمة خطورة من حكام الدول العربية الشقيقة، الذين لا يملك معظمهم أي تصور لحل أزماتهم المنذرة بالتفجر تحت كراسي حكمهم.

وفي التصريحات ذات الدوي للعديد من أهل الحكم في بعض البلاد العربية ما يؤكد خوفهم ليس على لبنان بل من ارتدادات الانفجار المحتمل في لبنان على أوضاعهم الداخلية المتهالكة.

*****

الحروب الأهلية هي أخطر أسلحة الهيمنة الأجنبية ومن والاها فسار في ركابها، من أهل الحكم في البلاد العربية.

مع مخاطر تفجر الحرب الأهلية في فلسطين تصبح إسرائيل هي ضامن السلامة للشعب الفلسطيني، وبالطبع على حساب قضيته وحقه في دولة له على أرضه.

ومع هذه المخاطر يصير الانحياز إلى الأجنبي ضد الأخ الشقيق ممارسة (صحيحة) للحرية والديموقراطية والاستقلال؛ لا بد من تدمير المعايير والقيم والوعي بالمصلحة الوطنية، وبذلك يصبح الاحتلال منقذاً ويصير الأخ الشقيق عدواً.

.. والخوف أن تكون الحرب الأهلية اللبنانية، في طبعتها الأولى، هي صورة لمستقبل هذه المنطقة، في ظل الشراكة غير المقدسة بين الحكام بالقهر وبين الاحتلال الأجنبي.

Exit mobile version