طلال سلمان

جولة بين عواصم “الازدهار العربي”: سوريا ممزقة، والعراق مشلع، ولبنان معلق و…

يبدو أن سنة 2020، التي نعيش نهايات شهرها الأول، ستشهد تغييرات واسعة ومؤثرة على صورة الغد الذي كنا نتمناه أفضل.. لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه.

أن عدداً من الدول العربية تعيش في قلب الاضطراب، وهي تقاوم التغيير باللجوء إلى المحرمات: التحالف العلني او الضمني مع العدو الاسرائيلي كمدخل لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، والتآمر على بعضها البعض بعنوان قطر، أو شن الحرب الظالمة على اليمن بالتحالف الحرام بين السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، والتي يدل اسمها الطويل على ثروتها النفطية وليس على عديد شعبها، وهو أقل من نصف مليون نسمة (مع المجنسين ممن عملوا لها وفيها انصاف أعمارهم قبل أن تمن على بعضهم القليل بجنسيتها المذهبة..)

ولنعرض عناوين ما يجري في بعض العواصم العربية التي تعيش أوضاعاً مضطربة، بغض النظر عن مستوى العيش فيها:

ـ البداية من بيروت حيث نعيش في وطن الأرز.

لأول مرة في تاريخ لبنان ينزل شعبه متعدد الطوائف والمذاهب إلى الشارع ليقيم فيه على امتداد مئة يوم، تقريباً، يطلب التغيير في سلوك النظام القائم على الاقتصاد الحر.. وهو “حر” بأكثر مما يجوز بحيث انه يقتطع من الرواتب والأجور عن متوسطي الدخل حتى افقارهم بينما يعطي تجار السياسة والمحتكرين من التجار ورجال الأعمال بأكثر مما يجوز..

بعد بيروت ومعها دمشق عاصمة سوريا، قلب العروبة النابض، كما كان يسميها اخوانها العرب منذ استقلالها وحتى الأمس القريب..

أن “بلاد الخير” هذه تعيش سلسلة من المحن منذ حوالى عشر سنوات، وهي تبدو الآن منهكة اقتصادياً وعسكرياً ومدنياً.. فثلث شعبها خارجها حالياً، ينتشر ابناؤها بين لبنان والأردن وتركيا ومصر وحيث تقبل الدول الأوروبية بعض أهلها الذين شردتهم الحروب التي تنهك بلادهم ولا معين.

أن تركيا ـ اردوغان الطامعة دائماً في الأرض السورية قد دفعت بقواتها العسكرية لتحتل بعض الشمال السوري، متقدمة نحو القامشلي ودير الزور حتى أوقفها الجيش السوري مع قوات الدعم الروسية، وتدخلت موسكو واستدعت اردوغان إلى لقاء فيها مع الرئيس بوتين، حليف سوريا والذي جاء اليها مؤخراً في زيارة سريعة استقبله خلالها الرئيس السوري بشار الأسد في سابقة ملفتة: في مقر البعثة الروسية الدبلوماسية في دمشق، التي تجول في انحائها بعد اللقاء الرسمي، قبل أن يغادر متوجهاً إلى أنقره..

ـ فأما العراق فيعيش اضطراباً مفتوحاً، بلا حكومة، مع مجلس نيابي مشلول.

شعبه في الشارع يومياً و”الحرب” الأميركية ـ الايرانية تنهكه، اقتصاده خرب، ومناطقه متباعد بعضها عن بعضها الآخر، فالأكراد “مستقلون”، مع أن النظام الجديد (بعد الاحتلال الأميركي) قد أعطاهم رئاسة الدولة.. أرضه ليست له: الأميركيون وحلفاؤهم في الشمال والجنوب وفي بغداد ذاتها، ولإيران نفوذ كبير و”جيش” مستقل باسم “الحشد الشعبي”، والزعيم الشعبي الأقوى مقتدى الصدر يريد السلطة ويخاف منها فيهرب من دواوينها بينما جمهوره يحتل الشوارع، وهو لا يريد أن يقاتل ايران لكنه يريدها دولة صديقة لا دولة احتلال. ومجموعة السياسيين البارزين عادوا مؤخراً من المنافي، قريبها والبعيد، لا يعرفون الشعب حق المعرفة، ولا هو يعرفهم.

ثم أن الأميركيين قد تركوا بعض مواقعهم في العراق لينقلوا قواتهم إلى الحدود مع سوريا، ثم إلى شرق سوريا ـ دير الزور ـ حيث النفط فزرعوا المئات من جنودهم حول مواقع آبار النفط هناك.

ـ أما اليمن فجريح كلما قارب الشفاء وجه اليه اشقاؤه النفطيون سهاماً مسمومة جديدة، حتى بات “مشلع” الجنبات، شماله بعاصمته صنعاء تحت حكم “الحوثيين” الذين تدعمهم ايران وتحاربهم السعودية، في حين تتقدم “الجيوش الجرارة” لدولة الامارات العربية المتحدة لاحتلال عدن وجزيرة سومطرة وبعض الجنوب اليمني بمقاتلين معظمهم من المرتزقة، وبعضهم مستعار بالأجر من دول شقيقة.. وقد كشفت الحكومة السودانية الجديدة التي انجبتها “الثورة” مؤخراً في الخرطوم انها طلبت استعادة خمسة آلاف جندي سوداني كانت حكومة ابو ظبي قد “استعارتهم” من السودان “لأسباب قومية” عنوانها اعادة تقسيم اليمن.. فضلاً عن اهانة شعب السودان وتصوير عسكره وكانه مجاميع من المرتزقة.

ـ أما ليبيا فقد اندثرت “جماهيرية معمر القذافي”، وتقاسم العسكر وبقايا معارضي النظام السابق السلطة على أجزاء من المملكة السابقة: الشرق للجنرال خليفة حفتر الذي يضيف يومياً أوسمة جديدة على صدره، ونجوماً جديدة على كتفه، وهو يحظى بدعم غير معلن من مصر (التي تجاور ليبيا وتتقاسم معها بعض الصحراء)، وحكومة مدنية في طرابلس تقيم فيها بعثة دولية للوساطة يرأسها دبلوماسي ووزير سابق في لبنان هو غسان سلامة، الذي يسعى جاهداً لاختراق الصعب واعادة بناء ما تمزق من كيان هذه الدولة الغنية بالنفط والتي تفتقر إلى قيادات جامعة، والتي تتنافس الدول، شرقها وغربها، على نفطها الغزير وموقعها الاستراتيجي الذي حسمت في بعض نواحيه، طبرق، نتائج الحرب العالمية الثانية عبر المواجهة العسكرية الشهيرة بين الجيش النازي بقيادة الجنرال الالماني رومل وجيش الحلفاء بقيادة الجنرال البريطاني مونتغمري..


مصر سورت نفسها بعناية، مبتعدة عن “الصراعات العربية” وان كانت قريبة من السعودية والامارات، مثقلة بالهم الليبي، تحاول نسج علاقات جديدة مع سودان الثورة التي يتقاسم قيادتها العسكرية الضباط والسياسيون القدامى من أهل الأحزاب.. معاهدة الصلح مع العدو الاسرائيلي ثابتة وهي تتدرج من السياسة إلى الاقتصاد، وبين عناوينها صفقة شراء الغاز من كيان العدو بقيمة محترمة.

الأمة العربية تستقبل العام الجديد وهي “في أحسن احوالها”..

والعدو الاسرائيلي يهدد العراق، ويضرب سوريا مخترقاً بطيرانه الفضاء اللبناني، ونتنياهو كان بين آخر ضيوف سلطان عُمان الراحل، قابوس بن سعيد، “مبشراً” بأنه سيزور مسقط معزياً ومدناً عربية أخرى بينها دبي… لافتتاح قنصلية فيها.

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version