لا يوجد أي سبب أمني تتحجج به القوات الاسرائيلية والمجموعات اليهودية المتطرفة التي إقتحمت واستباحت المسجد الأقصى ومن كان به. هذه قراءة أولى لما يجري الآن وفي هذه اللحظة في فلسطين وفي قدسها ومسجدها الأقصى قبيل منتصف شهر رمضان من العام 2023.
لكن، وفي قراءة أخرى، فهناك ثمة سببٍ أمني دائم ومستمر اسمه وعنوانه: الفلسطيني الذي، ولأنه لايزال هنا، يُذكر كل من أسس دولته ووجوده على نفي وجود الآخر ابن الأرض، أن الأمور لم تأخذ شكلها النهائي بعد. والحقيقة أن الصورة التي باتت تقدمها إسرائيل عن نفسها مذهلة للغاية. فهذا البلد وهو على ما هو عليه من القوة العسكرية التي تفوق بمئات المرات أي قوة مجاورة، وتفوق بآلاف المرات قوة الفلسطينيين، لا يزال غير قادر على الاطمئنان في الأرض التي يدعي أحقيته بها، فلا يجد بديلاً عن التطرف إلا بتطرفٍ أكبر.
في ظل حكومات سابقة أخرى، كانت أولويات السياسة وصورة إسرائيل في العالم تحاولان تجميل وجه “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” لكن مع الحكومة الحالية، لم يعد هناك ما يستوجب ذلك أمام الهوس التوراتي وإغراء القوة العارية الذي يدفع باتجاه فرض استئصال الفلسطيني لأنه فلسطيني أولاً وآخراً، أي ذاك الذي، ينفي بوجوده وحسب، أسطورة التأسيس على أرضٍ بلا شعب.
بالمقابل، الفلسطيني هنا، لم يتحول إلى هندي أحمر غير مرئي رغم كل القهر، يخسر جولة إثر جولة، وتتراجع قضيته بين نسيان ونكران وتطبيع وحساب أولويات، لكنه هنا، مزعج لأنه هنا، مزعج بمساجده وكنائسه، برمضانه وصلاة تراويحه، ومزعج في خميس الأسرار والجمعة العظيمة وهم اجتمعوا كصدفة قدرية على ساحة الأقصى اليوم.
حسنا يا من انتم أنا، لم تُحسم الأمور بعد واذا كان من المضحك الرهان على غدٍ بعيد، فلنراهن على وجع اليوم إذ يصيبنا جميعاً في هذه الأرض التي عليها مايستحق الحياة!
جلّ جلالك فلسطين