تتوالد النكبات السياسية على الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة من رحم نكبته الوطنية ـ الام، حتى تكاد تذهب بأصل القضية.
أما جرائم العدو، قتلاً للأطفال والصبايا واغتيالاً للمجاهدين وأسراً لكل من يعمل لخدمة قضيته المقدسة، فتتوالى على مدار الساعة.
لكن ما هو أخطر من الاغتيالات والأسر والسجن لمدد مفتوحة، فهو ما تتعرض له القضية المقدسة على أيدي ابنائها، المدفوعين من الخارج، او الطامحين إلى “السلطة” ولو على حساب الوطن التي يسترهنه الاحتلال الاسرائيلي.
في البدء كان عجز “السلطة” التي اعادت مقاتليها الذين كانوا ثواراً وغدوا الآن “رجال شرطة” في “الداخل” يطاردون كل من يقول بالثورة، بتهمة انه ضد “التحرير” وضد “الدولة المستقلة” التي ما تزال ترقد في مهجع الاحلام..
ثم كان تكريس الانقسام إلى حد القطيعة بين “السلطة” في ما تكرمت عليه به سلطات العدو الاسرائيلي من اراض (لم تغادرها) في الضفة، وبين “حماس” التي “استقلت” بقطاع غزة، وأقامت فيها “سلطتها” في ظل قطيعة بلغت حدود العداء مع “السلطة” بوصفها بعض نتاج حركة فتح..
ومن آسف فان ثلاث حروب اسرائيلية ضد غزة، بأهاليها جميعاً، شيوخاً ونساء واطفالاً، قبل المجاهدين وبعدهم، لم تسقط جدران القطيعة بين فتح وحماس، بل لعلها تعمقت أكثر فأكثر بعدما البست لبوسا دينية وعقائدية على حساب وحدة الوطن والقضية..
بالطبع كان هناك كثير من “الدول” تعمل على خط القطيعة بين هذين التنظيمين الاسلاميين بالأصل (ولمن نسي فان الاخوان المسلمين قد لعبوا دوراً اساسياً في قيام فتح، وتولوا قيادتها مباشرة لفترة طويلة، وقد استضافوا فيها العديد من “الاحزاب القومية” ومن احزاب “اليسار”..) وكذلك بالنسبة لحركة “حماس”…
وحتى عندما احتضنت “قطر” حركة “حماس” كان بين الاسباب اتهام “فتح” بالخروج من “الاخوان” وعليهم إلى السلطة..
هكذا صارت غزة “جزيرة” يحيط بها العدو الاسرائيلي من البر والبحر، ويساهم النظام المصري في حصارها بإقفال المعابر نحو الحدود العربية الوحيدة: مصر..
فجأة، تقدمت دولة الامارات العربية المتحدة نحو القضية الفلسطينية، بعد دهر من الغياب، معتمدة “اللاجئ السياسي” اليها محمد دحلان فرس رهان..
وهكذا اندفع دحلان في البداية، وأكياس الذهب بين يديه، نحو مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما في لبنان بعنوان مخيم عين الحلوة.. وقد جاءت اليه زوجة دحلان بحقائب المال لشراء الانصار وتكتيل خصوم “فتح” وتعزيز قدراتهم، لا فرق بين مناصري “حماس” او مناصري التنظيمات الأخرى، بمن فيهم جماعة “داعش” او القريبين منها او المحسوبين عليها..
ثم قصد محمد دحلان إلى القاهرة التي يعيش مسؤولوها ازمة ثقة مع القيادة الفلسطينية ويبحثون لهم عن دور لهم في مستقبل القضية، والذين يتخوفون من حماس و”مغامراتها العسكرية” التي كلفت الفلسطينيين خسائر فادحة، وأحرجت القيادة المصرية احراجاً شديداً.. فغزة، التي كانت في عهدة مصر منذ العام 1948 وحتى حرب 1973، بقيت العلاقات العائلية قائمة، مع الضباط والجنود الذي اقاموا فترة طويلة في “القطاع”… ثم أن القطاع صار مصدراً للسلاح المهرب إلى العصابات في سيناء، وبينها من يتخذ الشعار الاسلامي علماً ويجاهر بالعداء للنظام المصري.
للتذكير أن ثمة من يتحدث عن انقلاب في موقف القاهرة من دحلان، بحيث يقال انها باتت تتبنى مشروعه، او لا تعارضه، على الأقل.. وأنها لا تمانع في أن يتولى زمام الامور في غزة إذا هو تفاهم مع حماس… مع التذكير دائماً بان مشروع دحلان أن يكون “رجل المستقبل” في الاراضي الفلسطينية التي “منحها” العدو الاسرائيلي للسلطة مستنداً إلى تأييد خليجي (دولة الامارات بديلا من قطر) وعدم رفض مصري، وربما إلى “قبول” اسرائيلي بهذا الحل الذي يساهم في ضرب ما تبقى من قداسة للقضية الفلسطينية..
النكبة تتوالد فصولاً..
والعرب غائبون عن الوعي، اذا ما تجاهلنا أن بعض حكامهم متواطئون على القضية وأهلها.. بل وأهلهم جميعاً.
أعان الله فتية فلسطين على جهادهم غير المسبوق من اجل نصر يبدو بعيداً!
تنشر بالتزامن مع السفير العربي