طلال سلمان

جبهات»الجنوب«الست

التوتر العسكري في جنوب لبنان العائد مرة أخرى، أمس كان دائماً توتراً يتيماً في المنطقة، فقد اعتاد لبنان كأنه قدره أن يكون الساحة العسكرية الوحيدة المفتوحة للصراع العربي الإسرائيلي.
لكن يمكن القول من دون أي مبالغة إن التوتر في الجنوب على خط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي ووراء هذا الخط عبر الاعتداءات الإسرائيلية ورد المقاومة عليها إن هذا التوتر في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو لم يعد يتيماً بالمعنى السياسي العميق للتوتر.
بهذا المعنى، وبمعزل عن اختلاف أشكال التعبير، كل الجبهات العربية مع إسرائيل.. تصبح الآن أكثر فأكثر جبهات متوترة كلما ظهر الأفق المسدود للمشروع الذي جاء بنتنياهو إلى رأس السلطة في إسرائيل:
1 توتر على »الجبهة« السورية الإسرائيلية. فليس في مشروع نتنياهو ما يمكن أن يقبل به ليس المفاوض السوري بل ما يمكن أن تقبل به دمشق للذهاب إلى طاولة المفاوضات.
2 توتر وهنا ربما الأخطر والأهم على الأرض داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. فرأس حربة الهجوم الحقيقي لمشروع نتنياهو هي إعادة تفعيل الاستيطان، الذي يبلغ الآن حد الهجوم داخل أحياء القدس العربية، وليس فقط في محيطها، حيث بدأت الخطوات العملية لبناء أحياء جديدة ترفع عدد المستوطنين في القدس الشرقية (الكبرى) من 125 ألف مستوطن حالياً إلى 250 ألف مستوطن.
3 توتر على »الجبهة« المصرية الإسرائيلية، فمصر تتجه جدياً إلى إلغاء مؤتمر القمة الاقتصادي في القاهرة، الذي كان مقرراً عقده في تشرين الثاني المقبل.. برغم كل المحاولات الأميركية ومن ضمنها الآن جولة روس الحالية في المنطقة ويصعب أن يخلو يوم من افتتاحيات في الصحافة المصرية تصف نتنياهو بكلمات مثل الأحمق والمجنون والفاجر والمتطرف.
4 توتر على »الجبهة« الأردنية الإسرائيلية.. يعكس نفسه في الإحباط العام الذي يصيب الجو الأردني منذ وصول نتنياهو، على الرغم من كل المحاولات الملكية التي تحسّبت لهذا الاحتمال.. ولكن الملك حسين نفسه، اختبر عملياً، استحالة الحفاظ على سلم فعلي، بما فيه السلم الداخلي الأهلي الأردني، في جو المشروع الليكودي الذي أغلق الآفاق حتى أمام أوهام العديد من العرب بإمكان سلام عربي إسرائيلي.
5 توتر على »الجبهة« الإسرائيلية الأوروبية، عنوانه الأخير وليس آخراً اللغط الدائر حول زيارة وفد الترويكا الأوروبية إلى إسرائيل وأزمة زيارة »بيت الشرق«.
6 توتر على »الجبهة« الأميركية الإسرائيلية، برغم حرص إدارة كلينتون على عدم حدوث أي تصادم علني مع نتنياهو. لكن الإدارة الأميركية تعي أكثر من غيرها، أنها ربما الأكثر تضرراً من حقبة نتنياهو، لأن الذي توقف أساساً… هو مشروع »الباكس أميركانا« أي مشروع السلام العربي الإسرائيلي.
* * *
تمتد جبهة الجنوب اللبناني.. اليوم إلى كل هذه الجبهات، ولهذا فإن السؤال الرئيسي الذي يطرح في مثل هذه اللحظات:
هل يهرب نتنياهو إلى الأمام.. من مأزق سياسته العامة عبر اللجوء إلى »حرب« أوسع من المألوف؟ أم أنه سيكون محكوماً بالسير في الخط الذي كان »مأخذه« الرئيسي على سلفيه إسحق رابين وشمعون بيريز.. وهو الاستيعاب اليومي لمأزق الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، عبر عمليات عدوان محدودة؟
إنها لحظة السؤال مرة جديدة.. فمنذ تولّى السلطة، لم يقم نتنياهو بعد بأية خطوة عملية تثبت قدرته على تمييز عهده.. وبمعزل عن مبادرات كلامية من نوع »لبنان أولاً« أو مبادرات شكلية من نوع اضطراره إلى لقاء ياسر عرفات بعد ضغوط أميركية ساهم فيها رئيس الدولة الإسرائيلية عزرا وايزمن.. يواجه نتنياهو انسداد آفاق على كل الجبهات الديبلوماسية والسياسية (والعسكرية في الجنوب) تزيدها دراماتيكية المؤشرات الجادة للأزمة الاقتصادية الإسرائيلية..

Exit mobile version