غزة ـ حلمي موسى
ظاهريا، تمتلك إسرائيل قوة عسكرية واقتصادية هائلة مكنتها من توجيه ضربات تدميرية مهولة، ليس في قطاع غزة الصغير فحسب، وإنما أيضا في جبهات عديدة بينها لبنان وسوريا وصولا إلى كل من اليمن وإيران. وكثيرا ما تفاخرت القيادة الإسرائيلية بقدرتها على توجيه ضربات لأعدائها، ليس في المنطقة العربية فحسب، وإنما أيضا خارجها.
يوم أمس الأول، نشر سلاح الجو الإسرائيلي تقريرا أوّليا عن عملياته أثناء العدوان على غزة، أفاد بأنه أغار على 31 ألف هدف، بالإضافة إلى تقديمه الإسناد للقوات البرية العاملة في قطاع غزّة، موضحا أن ساعات عمله أثناء الحرب بلغت 186 ألف ساعة طيران.
ومن البديهي أن دور القوات الجوية في الحرب، ومهما تعاظم، إلا أنه لا يتفوق على دور القوات البرية، والبحرية أيضا. ولكن، هل تمكّنت هذه القوة العسكرية، المسنودة بدعم أميركي غير محدود، عبر قطار جوي لا يتوقف وسفن شحن تصل على مدار الساعة، من توفير إحساس بالأمان والصمود لدى المجتمع الإسرائيلي؟
يبدو أن الجواب سلبي!
فقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقريرا يشير إلى أنه في ظل الحرب مع غزة، انخفض مؤشر الصمود الإسرائيلي، وبات الجمهور محبطا جراء فقدان الأمل وانعدام الثقة في قياداته.
وقد وجد الباحثون الذين يراقبون “الصمود الوطني لإسرائيل” أن هناك انخفاضًا كبيرًا في مؤشر الأمل والتضامن الاجتماعي وثقة الجمهور بمؤسسات الدولة.
وبحسب الباحثين، من المتوقع أن يتضرر التماسك الاجتماعي في إسرائيل لفترة طويلة.
وأشار التقرير إلى أنه منذ “السبت الأسود” في 7 أكتوبر، حدث انخفاض في مؤشر المرونة في إسرائيل. وتوصل باحثون من جامعة تل أبيب وكلية تل حاي الأكاديمية، الذين تابعوا مجموعة من المواضيع، إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة التي تلت اندلاع الحرب، كان هناك انخفاض كبير في القدرة على الصمود الوطني والمجتمعي والشخصي.
ويشير الباحثون إلى أن البيانات تدل على شعور بالإحباط لدى الجمهور، وهو ما ينعكس أيضا في انخفاض مؤشر الأمل والتضامن الاجتماعي وثقة الجمهور بمؤسسات الدولة.
ويؤكد الباحثون أن في ذلك إشارة تحذيرية ينبغي أن تهم سلطات الدولة، لأنه من دون الرجوع إلى احتياجات وتوقعات السكان في إسرائيل، فإن القبول والدعم الذي يمنحه الجمهور للهيئات الحاكمة في البلاد لمواصلة وإدارة الصراع يتناقصان بشكل ملحوظ.
وقد أجرى البحث البروفيسور شاؤول كيمتشي والبروفيسور بوروريا أديني من قسم إدارة الكوارث والطوارئ في الجامعة، والبروفيسور يوحنان إيشيل والدكتور هاداس مارسيانو من الكلية، وشمل البحث 1360 مشاركًا، وهو مبني على ثلاثة قياسات تم إجراؤها في الأشهر القليلة الماضية.
ومن أجل فهم الأسباب بشكل أفضل، قام الباحثون بدراسة مكونات المرونة الوطنية: الثقة في البلاد ومؤسساتها، والتضامن الاجتماعي والوطنية. ووجد الباحثون انخفاضًا في الثقة بالدولة وقائدها – من 3.81 إلى 3.43. كما شوهدت تراجعات مماثلة في الثقة بمؤسسات الدولة والتضامن. كما اختبر الباحثون مؤشر الأمل الذي تم تحديده في دراسات سابقة في إسرائيل وحول العالم أنه أفضل مؤشر لمستوى الصمود الوطني. وانخفض مستوى الأمل من 3.75 في القياس الأول إلى 3.68 في القياس الثالث.
يقول الباحثون: “ربما يرجع الانخفاض في مؤشرات المرونة إلى حقيقة أن أهداف الحرب لم تتحقق بعد” إذ “يشعر الجمهور بالإحباط بسبب استمرار الحرب في الشمال وفي الجنوب، بالإضافة إلى الكلفة الباهظة لمقتل العديد من الجنود وعدم إعادة المختطفين. ولم يتم بعد إزالة التهديد بحرب شاملة في الشمال، ولا توجد حتى الآن إجابات واضحة لمئات الآلاف من الذين تم إجلاؤهم من مناطق الشمال والجنوب”.
وبحسب الباحثين، فإن الخوف من مزيد من الانخفاض في مستويات المرونة يمكن أن يتم التعبير عنه في حقيقة تضرر النسيج الاجتماعي والشعور بالوحدة والتماسك الاجتماعي.
وهو يجزمون أنه “من أجل السماح للمجتمع الإسرائيلي بالتعامل مع الصعوبات والتحديات التي لا تزال تواجهنا، يجب على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني العمل على تعزيز الضمان المتبادل والتضامن بين جميع شرائح الشعب”.