جئن من تونس: بضع عشرة زهرة تقودهن مديرة ومديرة، أولاهما في الموسيقى والثانية في كل شؤون الحياة. وقد شهد ”مسرح المدينة” في وجود هذه الفرقة الفتية تظاهرتين: الأولى فنية جاء إليها المهتمون بالتعرف إلى الأمزجة الفنية المتنوعة عربياً، أما الثانية فقد استقدمتها تلك الصبايا المجتهدات واللواتي أجهدهن الرد على ثناء المعجبين الكثير بالمجاملة التونسية المحببة: ”يعيشك، شكراً يا سيدي، يعيشك”!
العازفات المنشدات جميعهن من متخرجات المعاهد الموسيقية التونسية، وبينهن فتيات ما زلن على مقاعد الدراسة، وبعضهن يتهيأن لامتحانات البكالوريا.
لا الأصوات خارقة الطلاوة، ولا العزف متفوق في مستواه، لكن المبادرة بذاتها طيبة: ان تهتم صبايا في عمر الورود بالتراث الفني لبلادهن، وأن يعملن ضمن جهد مميز لنشر هذا التراث وتعميمه.
المهم ألا تحدث القطيعة بين الجيل الجديد وموروثه الوجداني.
المهم أن يحترم إنساننا ذاته، أرضه، أهله، تاريخه، فلا يهرب من ذلك كله الى الهجانة والتغرب، تارة بذريعة الخواء الثقافي، وطوراً بذريعة عجز الموروث عن تطوير ذاته أو عن مجاراة موجة التطور التي تجتاح الدنيا.
والمهم أن يتأكد اليقين من وحدة الوجدان العربي، حتى لا يذهب هو الآخر مع الأرض والعقائد والمفاهيم الوطنية والقومية التي يتم تقطيعها وتفتيتها كل يوم وترمى كالمهملات في الماضي المخجل أو في الحاضر المهين.
المسألة بسيطة كما تجلت في حفلة الفرقة التونسية ”تقاسيم”، ومن قبل مع الشيخ ”الحلبي” حسن الحفار، ومع عناية جابر في حفلة تكريم المبدعة ”المصرية” الراحلة ليلى مراد: ان الوجدان العربي معافى لم تدمره موجة الزيف والتقليد والرخص والميوعة السائدة.
ما زالت مصر في الطليعة، بكل تراثها الغني وبكل الإبداع الفني المتراكم، وبسبقها الى التأصيل، ثم بغناها الفني الذي امتزجت فيه وتداخلت الألوان ”الوافدة” من الأقاليم الأخرى: ”الشامي” و”المغاربي” و”الأفريقي” و”الخليجي”، ثم أعيدت صياغتها وأطلقت لتعم الأرض العربية جميعاً.
ولقد بات للبنان حضوره الطيب، ليس فقط بفيروز وماجدة الرومي، إضافة الى وديع الصافي ونصري شمس الدين وصباح، بل أيضاً بزياد رحباني ومعه جوزف صقر.
النغم يكسر حاجز اللهجة. فاللحن الممتاز يُدخل إلى وجدانك كلمات لم تكن تعرفها أو تفهمها لو أنك سمعتها في الشارع.
متى تبلغ السياسة أدنى درجات الفن؟! وإذا لم تكن قادرة على الارتقاء إلى منزلته فهل من الضروري أن تشده الى دركها فتفسده حتى لا يفضحها؟!