طلال سلمان

تركيا-إسرائيل والحرب الأميركية على العرب والمسلمين حلف الهجين والمهجن ذاته

تعكس العلاقات المتوترة دائما بين تركيا الكمالية والعرب بمجموعهم، وبالذات منهم عرب المشرق، ازمة الهوية والانتماء والدور التي تعيشها هذه الدولة الممزقة بين ماضيها الامبراطوري العريض وبين حاضرها القلق ومستقبلها المجهول.
انها دولة مأزومة، يجرها العسكر جرا الى شكلية ديموقراطية مقلِّدة مقموعة ومهجَّنة، لا تتصل من قريب او من بعيد بالحريات او بحقوق الانسان، فاذا ما تحرك الشارع لإثبات حضوره ولإسماع صوت الناس المتظلمين والمقهورين، تحركت الدبابات وأمسك الجنرالات بخناق البلاد حتى تستسلم لهم كرة اخرى.
ولأنها ديموقراطية شكلية مزيفة ومفروضة بقوة الحراب كشرط انتماء الى الغرب فهي لا تساعد على حل أي من المعضلات الخطيرة التي تهدد المجتمع التركي بانفراط عقده واخطرها معضلة الأقليات القومية والطائفية، هذا قبل التوغل في المعضلة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية.
ان الاحزاب ليست احزابا، بل هي أقرب لأن تكون »فرقا عسكرية« او واجهات مدنية للجنرالات الذين تفرض عليهم الولايات المتحدة الاميركية الا يخرجوا الى الناس بوجوههم الاصلية، وان يموهوا سيطرتهم دائما بتلميع واجهات من السياسيين الطيعين الذين لا يعصون لهم امرا.
تكفي مراجعة بسيطة لسير القيادات السياسية البارزة وكيف تنقلت بين الاحزاب الواجهات المختلفة للتثبت من ان ثمة بيتا واحدا بمنازل كثيرة، او حزبا واحدا بأسماء كثيرة يقوده ويعطيه حياته ومجال حركته الجيش…
كان الأتراك في الماضي جيشا للاسلام والمسلمين،
لكن الماضي اندثر تماما وتحولت دولة اتاتورك الى سيف على الاسلام والمسلمين عموما والعرب بصورة خاصة.
وهي دولة رفضت الشرق، وشرقيتها تحديدا، وما تزال، برغم انها مرفوضة غربا، برغم كل الخدمات التي ادتها للغرب، وبرغم كل التنازلات التي قدمتها،
ولعل هذه واحدة من نقاط التقاطع »الايديولوجي« بين تركيا وإسرائيل: فكلاهما دولة »غربية« مزروعة في الشرق، واحدة تنكرت لهويتها الاصلية، الشرقية بالمطلق، و»استغربت« بقرار »همايوني« يتناقض مع التاريخ والجغرافيا وطبيعة الناس.
والثانية ترفض بوعي ان تكون من الشرق، وترى نفسها دولة غربية مفوضة بالهيمنة على الشرق العربي الاسلامي.
وليس أمراً طارئاً ان تطل تركيا على العرب والسيف في يدها،
فما أكثر المرات التي تحرشت فيها تركيا عسكريا بسوريا او بالعراق، او بكليهما معا وباستخدام سلاح اخطر من الطائرات والصواريخ والدبابات هو سلاح مياه الفرات.
ان تركيا تهرب من مواجهة مشاكلها الداخلية بإطلاق جيوشها لتطارد الأشباح في الخارج، مستبيحة حدود هذه الدولة العربية او تلك، وبالذات العراق بعدما انهكته مغامرات صدام حسين البائسة.
على ان التوغل داخل الاراضي العراقية هو إنذار مباشر لسوريا.. وهو يجيء في توقيته الآن، وتحت الغطاء الاميركي المباشر، إيذانا بسقوط العملية السلمية التي كانت ترعاها واشنطن، والعودة الى لغة العصا مع آخر قلاع الصمود العربي في وجه حكم التوسع والتطرف الاسرائيلي: سوريا ومعها لبنان.
لكأن ما يجري في العراق، اضافة الى كونه اعتداء صريحا ومباشرا وعلى مرأى من العالم كله، هو تدريب بالذخيرة الحية على حدود سوريا لكي تسمع دمشق فتخاف وتتراجع، او يكون عليها ان تواجه طرفي الكماشة، او تنحصر بين المطرقة الاسرائيلية والسندان التركي.
ولان تركيا دولة اداة فهي لم تتحرك مرة للتحرش بسوريا (او بالعراق) الا تنفيذا لمطلب اميركي مرفوض عربيا، وبقصد كسر الصمود السوري والعربي عموما في وجه خطط التوسع الاسرائيلي،
كذلك فان الدولة الاداة تحاول منع اللقاء الفاعل بين إيران والمشرق العربي، وقيام تحالف له مبرراته الكثيرة، اولها مواجهة مخاطر التوسع الاسرائيلي، يضم الى إيران العراق وسوريا (ومعها لبنان).
ان تركيا تفرض، في الغالب الاعم، لغة حربية على »حوارها« مع العرب، لا سيما عرب المشرق،
انها لم تعترف بهم يوما، في قرارة نفسها، ولا تراهم اندادا لها، مع انها نشأت في الاصل في احضانهم وفي ظل امجادهم، وكجيش من جيوشهم.
وهي بعد ذلك تستغرب ان يحتجوا او يعترضوا.
انها تريد منهم حقوق الخليفة، بينما هي تدفع الجزية لأهل الذمة!
وهي تعاملهم وكأنهم أقلية في امبراطوريتها الشاسعة، في حين تعجز عن التعامل داخليا مع »الشعوب« التي لم تستطع التحرر من التبعية للأتراك ولا استطاع الاتراك قبولهم شركاء في »الوطن«.
لقد ذهبت الامبراطورية، وأُسقط السلطان، وزالت الخلافة، ولكن هذه الدولة المأزومة ما انكفت محاطة بالاعداء من جهاتها الاربع بحيث لم تجد حليفا تحت المظلة الاميركية الا الكيان الآخر الهجين الذي يقوم على العداء المكين للشعوب الطبيعية: اسرائيل.
انه حلف بين هجينين، لكن السيف في يده أميركي بمنشأه وأميركي بوظيفته.
* مداخلة نشرت في الزميلة »الاتحاد« الصادرة في دولة الإمارات العربية المتحدة حول العدوان التركي على العراق.

Exit mobile version