طلال سلمان

ترامب عقبة على طريق صعود الغرب..

الوضع الراهن في الحرب الدائرة بين معظم دول العالم من ناحية وفيروس الكورونا لا يشجع على التفاؤل. المعارك جارية بنوايا صادقة في كل الأنحاء ولكن بدرجات متفاوتة من القدرات المحدودة من جانب الدول وقدرة متجددة من المباغتة والاختفاء وسرعة الانتشار من جانب الفيروس. تخيلت أكثر من مرة خلال الشهور الماضية أن هذا الفيروس يتحرك طبقا لنظام وتخطيط وتتحرك جحافله بأوامر من قيادة عليا في مكان ما. استبعدت فكرة أن يكون كل فيروس يتحرك منفردا بإرادة ذاتية، يتنقل ضمن شبكة من حوافز البقاء ومخزون الخبرة الموروثة عن فيروسات أخرى وتأتي نهايته على يد قوة خارجية أبدعت فانتجت لقاحا جاهزا ليدمر وحدات الفيروس المقاتلة أو ليشتت قواها ويعيد بعثرتها ضعيفة خائرة القوة. ظللت أسأل نفسي أسئلة أتسلى بها في أوقات العزل والحظر، أسئلة لا أسعى من ورائها إلى معلومة أضيفها إلى حصيلة هائلة من مسائل صعبة الفهم أفرزتها أحداث الشهور الأخيرة في حرب سقيمة. سألت إن كانت هناك قيادة هي التي قررت موعد شن الغزوات الأولى في هذه الحرب وقررت في الوقت نفسه أن تكون ووهان المقاطعة الصينية المناسبة لاستقبال هذه الغزوات المبكرة. ولماذا الصين؟. سألت أيضا عن الجهة التي تقرر، أو قررت بالفعل، نقل الهجوم من آسيا إلى أوروبا، من الصين تحديدا إلى إيطاليا تحديدا، أم أن القرار نص على نقل الهجوم إلى أمريكا، ووقع الهجوم بالفعل على أمريكا قبل إيطاليا وتعمدت الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب إنكار وقوعه هناك فحصد من أرواح الأمريكيين ما حصد، ولم يعرف الرأي العام حتى اليوم بأي داء أو فيروس ماتوا. نسمع الآن من مسؤولين أمريكيين أن حال الولايات المتحدة لم يختلف كثيرا عن حال إيطاليا عندما تعرضتا لغزو الكورونا. لم يوجد في مشافيهما وعياداتهما وترساناتهما الطبية الأدوات الضرورية للتعرف على طبيعة وسلوكيات عدو جديد قادم من عالم الكائنات الفيروسية، ولم يوجد غرف أو طواقم لاستقبال مرضى بأعداد غير عادية.


لم تمض أيام على بدء تطبيق العزل إلا وأيقنت ضخامة التهديد الذي يمكن أن تتعرض له أمريكا أولا والغرب ثانيا وأقاليم أخرى في هذا العالم ثالثا لو أن الرئيس دونالد ترامب استمر رئيسا للولايات المتحدة. أظن أن العزل ذاتيا كان أم جبريا مسؤول عن توفير مساحة أوسع للتحرر من ضغوط التزامات يومية بعضها كاف لقمع حريات أساسية منها حرية التفكير لتلحق بها حرية التعبير. وفر العزل مساحة سمحت لي أن أتأمل بحرية وتحت حد أدنى من الضغوط في واقع أن العالم يسير لأول مرة منذ عقود عديدة بدون قيادة أو فلنسميها قوة تسيير. كتبت قبل وقوع أزمة الكورونا، وكتب غيري كثيرون، عن حال ومظاهر الفوضى التي تضرب بقوة جوانب متعددة في منظومة علاقاتنا الدولية.

لم اتردد في أن اشير أكثر من مرة إلى الرئيس ترامب باعتباره، على الأقل من وجهة نظري، يتحمل بدرجة كبيره وسلفه الرئيس السابق باراك أوباما بدرجة أقل مسؤولية الانسحاب المتدرج من أداء مهام قيادة النظام الدولي. انسحب الرئيس أوباما متذرعا بتضاؤل الحاجة في أوروبا إلى الوجود الأمريكي بينما تزداد الحاجة إليها في آسيا. واستطرد الرئيس ترامب في عملية الانسحاب من أوروبا بنفس الذريعة وذرائع أخرى مثل تنكر أوروبا لفضائل أمريكا عليها وترددها في دفع أنصبتها في موازنات ونفقات الأمن الأطلسي. وصل الأمر قرب نهايته إلى حد التنابذ بالشتائم وإعلانات شن الحروب التجارية بين قادة الدول داخل الحلف الواحد وداخل معسكر واحد كان المفترض أن يكون الأبقى والأهم، وهو معسكر الغرب. كنا، وما نزال، شهودا على معارك ومواقف تذكر أبناء جيلي بخلافات طالما وقعت بين أعضاء العائلة العربية الواحدة وتمثلها منظمة إقليمية هدفها تحقيق التكامل بين الأعضاء. أقول تذكرني لأن هذه الخلافات التي نشأ عليها وبين أشواكها الجيل الذي انتمي إليه هي التي أودت بالجامعة إلى وضع كالتهلكة بعد أن قضى تماما على أي دور لقيادة من داخل الإقليم تتولى تسيير السفينة العربية ومنع ارتطامها بالصخور في يم لم تمخر عبابه من قبل. بدون قيادة أصيب النظام الدولي بمضاعفات للفوضى جرت وتجر عليه ويلات في أول مواجهة مع عدو شرس، هاجم العالم بأسره الذي وقف ضائعا مترددا فلا قيادة ولا نظام، هكذا أيضا كان حال العالم العربي عندما أصيب النظام الإقليمي العربي بفوضى تفاقمت فجرت عليه ويلات في مواجهات متعددة مع عدو لا يقل غدرا وشراسة حتى قبل أن تمتد إليه يد الكورونا. وجدته الكورونا كما وجدت العالم الأوسع مفككا مهدرة إمكاناته وبدون قيادة. فكانت الكارثة هنا مثل هناك.


بحسابات القوى الناعمة خرجت الصين في المرحلة الأولى من مواجهات الكورونا بسمعة أنقى وأقوى صدقية من السمعة التي خرجت بها الولايات المتحدة. بحسابات العلاقات بين الأمم في وقت الأزمات سبقت الصين، الدولة الأسيوية كل دول الغرب، في مد يد كريمة ومرغوبة جدا إلى ايطاليا في لحظة كرب عميق. لم تمد أمريكا الترامبية يدا إلى ايطاليا. تنكرت أمريكا لحليفتها فتذكرتها الصين ثم روسيا. شعرت وأنا أراقب هذه التطورات المثيرة وفكرت أنني ربما أقف في تلك اللحظات شاهدا على واحدة من أهم وآخر تجارب الصعود إلى القمة الدولية. أرى أمامي الصين تنهض من عثرة مؤقتة وتقتحم إحدى أهم قلاع الغرب، مهد حضارته وأحد مصادر فخاره وشرعيته ونهضته. أرى أمامي الولايات المتحدة ممثلة في رئيس لم يستقر بعد على ما يجب أن يقول في مواجهة هي ربما بين الأخطر على مستقبل الولايات المتحدة وحضارة الغرب. أرى أمامي وللأسف والغرابة أمريكيين بالملايين داعمين لرئيس لا يتوقف عن تزييف الحقائق وصنع الانقسامات والكذب الصارخ ومستعدين للتصويت لصالحه في انتخابات الرئاسة المقررة في شهر نوفمبر القادم، هذا إذا لم يتفتق ذهن الرئيس عن ترتيب مؤامرة من شأنها تأجيل الانتخابات عاما أو عامين يتمكن خلالهما الرئيس من إجراء تعديلات دستورية، مستندا إلى هذه الشعبية المتصاعدة ومنتهزا أجواء خارج الغرب وداخله تميل إلى التغاضي عن تبني واشنطن سلطوية في الحكم تتناسب والسلطوية البوتينية وسلطوية ثالثة نجحت وتفوقت، أقصد سلطوية الحزب الشيوعي الصين.


في المشهد الذي تخيلت وقوعه مبالغة لا شك فيها، ولكن في الوقت نفسه، لا أراه بعيدا عن تصورات العارفين بشخصية الرئيس ترامب وموقفه من معتقدات الغرب الليبرالية وعدم تورعه عن انتهاك القانون والدستور إذا احتاجت مصلحته الشخصيىة.

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version