طلال سلمان

تحية وداع لجندي للوطن..

ليس للعسكري حق اختيار الموقع، ولكن نجاحه أو فشله في الموقع الذي يتم اختياره له، إذا كان قيادياً، إنما يتوقف على عمق انتمائه الوطني ومن ثم على كفاءته وقدرته على حسن قراءة الظروف التي تعيشها البلاد والحساسيات وسائر الظواهر المرضية التي يعاني منها الشعب.
ولقد كان الثنائي العماد ميشال سليمان، قائداً للجيش، والعميد جورج خوري مديراً للمخابرات، نموذجاً ناجحاً، اذ انهما يعرفان لبنان، بمناطقه ومناخاته وبيئاته المختلفة، معرفة »ميدانية«، كما يعرفان ما يكفي عن القوى السياسية، وعن تأثيرات الخارج، البعيد منه والقريب،
لذا قدما تجربة ممتازة في التعامل مع العواصف العاتية التي هبت على لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، فتمكنا من حماية »المؤسسة« بوحدتها، ومن ثم بالبراءة من الغرض والتطهر من العصبية الطائفية او الجهوية، وبالتمسك بالثوابت: فالعدو إسرائيل، والمقاومة حليف للجيش وإنجاز وطني عظيم يتوجب الحفاظ عليه وتمتين العلاقة معه، وسوريا »جيش حليف« بوصفها الجار الشقيق، حتى لو اصاب العلاقات السياسية معها بعض الخلل نتيجة الاخطاء أو المقامرة باستثمار »الخصومة« بعد استثمار »التحالف« سياسياً من قبل العديد من الزعامات والقيادات السياسية المتعددة الولاءات.
ولقد اوصلت هذه التجربة الناجحة العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية بتوافق وطني ـ عربي ـ دولي يقارب الاجماع..
أما العميد جورج خوري فقد اعتبر انه قد أدى مهمته الوطنية، وآن له ان يرتاح فيبتعد عن موقعه الحساس والمؤثر، تاركاً للعهد الجديد ان يستكمل بناء أجهزته برفاق له قد لا يكون لهم تاريخه الحافل بالتجارب والخبرات والمعرفة بخريطة الصراع أو التنافس بين القوى المختلفة، ولكن من حقهم أن يأخذوا فرصتهم مع العهد الجديد.
اليوم، وقد غادر جورج خوري منصبه الذي شغله بكفاءة وحسن تقدير للظروف الحرجة التي مرت بها البلاد، وحس وطني عميق عصمه من الخطأ في مواجهة الحساسيات والغرائز والأغراض، فإنه يستحق تحية وداع لجندي أعطى الجيش أكثر مما أخذ منه.
ط. س.

Exit mobile version