طلال سلمان

تحرير لبنان من الاحتلال الطائفي كتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي

كتب نصري الصايغ:

لا تنسوا مواعيدنا اليومية. الطرقات المقفلة في الشوارع والساحات مفتوحة الأذرع لصدور الناس الحقيقيين. لحناجرهم الصافية، لأصواتهم الصارخة: نريد أن نحيا هنا، نريد أن نتنفس حرية، نريد جباهنا مرفوعة، نريد أن نكون بشرا حقيقيين، نريد أن نزيح عن كاهلنا عبء الظلم، نريد أن نكنس البلد من السلطة، نريد أن نسترد اسمنا الحقيقي. اسمنا الحقيقي: الشعب، وهذا الشعب يريد تحرير لبنان من مغتصبيه ومحتليه وبائعيه.

ولا تنسوا اننا كلنا للوطن، والسلطة، من زمان، قد حوَّلته إلى زريبة موزعة على الطوائف. لبنانكم هذا لكم، فاستردوه.

ليس هذا مشواراً. ليس هذا نشيداً. إنه مسار صعب وشاق وطويل.

أما الآن، فنحن في بداية الطريق، ولكنا لسنا قلة مبعثرة. نحن قوة مليونية، مدهشة، معطاءة، متفائلة وحاسمة. نحن في مواجهة تحالف خلف متاريس الطائفية الكافرة، اذ لا كفر يضاهيها، وتحالف رأس المال المنهوب من تعبنا وعرقنا، وتحالف قوى سياسية موزعة على محاور اقليمية متناحرة حتى القتل. هذه القلة الحاكمة مستقوية وترى في من يملأ الساحات، على انه خطر يجب تفكيكه بالشائعات.

أكثر من مليون لبناني ملأوا الساحات والشوارع. هؤلاء لم ينزلوا بكبسة زر من سفارة او دولة او جهاز مخابرات، وبلدنا مفتوح لهؤلاء، بإرادة ورغبة سلطوية. تاريخ لبنان حافل في التهافت على الخارج. هو تابع للسفارات، كما كان من زمان، يقرع ابواب القناصل… من هم في الساحات اليوم، في اكثريتهم المليونية، ولدتهم امهاتهم احراراً. لا يعَّول ابداً على عدد من المندسين والمخربين والمأجورين. لا توصم الكتلة المليونية، بوصمة العمالة للخارج، وليست وليدة اجندة مخابراتية… عيب ثم ألف عيب على من يجهد نفسه وصوته كي يصم الكتلة المليونية، بتهمة، لا تصح الا على كثيرين من اهل السلطة ومن معها من الاتباع والمرتزقة.

لقد اجابت الكتلة المليونية عن السؤال: لماذا خرج الناس إلى الساحات وملأوا الشوارع، وقطعوا الطرقات. لا ضرورة البتة لتكرار الاسباب كلها. يكفي أن نستشهد ما يقوله افرقاء الحكم أنفسهم، ما يبثونه ويلمحون اليه، ما يشيرون اليه بالأصبع. السلطة تحالف مافيات. نهابون. لصوص. مرتكبون. مخربون. سراقون. مرتهنون. متسلبطون. لا يشبعون. يأكلون الأخضر واليابس. منذ ما بعد الحرب، ولبنان ينزف ويستنزفه حكامه ومن يواليهم من لصوص برتبة “فاعل خير”.

العميل الذي دفع المليون بشري إلى الشارع، هو هذا الصنف الرديء من السياسيين. واليوم، وبسبب جشعهم، وصل لبنان إلى الافلاس، وارادوا تأجيل الافلاس، بضرائب ورسوم جسيمة، مع ادعاء صفيق وكاذب، بأن “الموازنة قد خلت من الضرائب”. هذا هو العهر. هذا هو فيض الظلم. هذا هو منطق القراصنة.

يصح فيهم قول الشاعر مظفر النواب: “اولاد القحـ… لا استثني منكم احداً”.

أما بعد. نحن جيل بائس ومحظوظ جداً. بؤسنا اننا فشلنا في إقامة دولة، في بناء نظام مدني، في اقامة ديموقراطية، في اجراء محاسبة، في الغاء الطائفية، في مكافحة الفقر، في مطاردة الفساد… بؤسنا، اننا اعترفنا بأن هذه الطغمة المتناسلة هي قدرنا.

انما، جاء وقت مفاجئ. فاجأنا جميعاً. لأنه: “إذا الشعب يوما اراد الحياة”. فلقد استجاب القدر. لبنان ماضٍ إلى أن يتحرَّر من مرتكبيه طوال ربع قرن. المهمة صعبة. اراخنة السلطة لن يرضخوا بسرعة. سيساومون. سيرتكبون.
سيلعبون لعبة “فرق تسد”. هذه مسؤولية لتصليب الحراك وتنظيمه وتقويته. فلا يبقى شتاتا، بشرط أن لا يؤسر في قوالب شبه حزبية. وحدتكم أهم من شعاراتكم ومطامحكم. لا صوت يعلو على صوت الحوار، لصياغة مطالب حاسمة لا تراجع عنها، ولا تعطي السلطة فرصة للتحكم والمراوغة والتسويف.

اننا من اهل الحظوظ، لان حركة تحرير لبنان قد اندلعت. كما كنا، وما زلنا، من اهل الحظوظ، أننا واكبنا وشهدنا مقاومة لبنانية، استطاعت أن تطرد “اسرائيل” من لبنان، بلا قيد ولا شرط. وكما طردت المقاومة العدو الخارجي، سيتاح للثورة اللبنانية، او الانتفاضة، او الحراك، أن يحرر لبنان من محتليه.

أما لماذا افترقت المقاومتان، فذلك أن المقاومة ارتأت أن تحمي ظهرها من الطعنات. لا ننسى ابداً القوى التي طالبت المقاومة بتسليم سلاحها، بعد التحرير مباشرة. وهي كانت تكيد لها من قبل، بل كان بعضها من تسبب بإحضار “اسرائيل” إلى لبنان. دخلت المقاومة في اللعبة السياسية، وباتت جزءاً من تركيبة عجيبة، غريبة، ومؤذية. تشارك اعداءها في السلطة. والسلطة هي ائتلاف اعداء.. يجلسون على الطاولة نفسها. الحريري وتياره ضد المقاومة، ويجب أن يكون رئيس وزراء. وليد جنبلاط ضد سلاح المقاومة، ويجب أن يبقى في السلطة، وممنوع أن يخرج منها. القوات اللبنانية، ضد بالمطلق، ولا بأس أن تكون في السلطة. يضاف إلى ذلك، التزمت المقاومة بتحالف مع التيار الوطني الحر، وتحملت تطرفه وغطت اخطاءه، كما تتحمل مفاسد “الثنائية الشيعية” الكثيرة… كل ذلك لحماية ظهر المقاومة؟

وفي هذه الاثناء، وتحت هذه الصيغة، شهد اللبنانيون سيل الارتكابات والفضائح. لا كهرباء. لا بيئة نظيفة. لا محاسبة. لا عمل. بطالة مستفحلة. ديون مستحقة. افلاس على الابواب… إلى آخر منظومة الهلاك اللبناني.

نحن، يا مقاومة، ضحايا هذه السلطة المزمنة. اخترت مكاناً تأمنين شروره، ولكن شروره ارتدت علينا وعلى بيئتك الحاضنة.

وعليه، فان مكان المقاومة، ليس في هذه السلطة ابداً. اللبنانيون الاحرار، الملتفون حول المقاومة، هم الضمانة وهم الحماية.

ونحن من أهل الحظ. لدينا مقاومة منذورة لتحرير فلسطين بعد تحرير لبنان، ولدينا “مقاومة” في الحراك، لتحرير لبنان من محتليه ومغتصبيه؟

هل يلتقيان معاً؟

ليت.

Exit mobile version