طلال سلمان

باسيل إلى الشارع… “ما شفت مين مات؟”

اللجوء إلى الشارع خطيئة سياسية. التهديد به حماقة وانتهازية. لا أمل يرجى من صياح الأتباع. فكل ديك…صَّياح.

الشارع في لبنان شوارع. لسنا نشبه أي دولة اوروبية. السلطات هناك تسمع صوت الشارع ونعتبر. نحن لسنا كذلك. ولسنا نشبه الشارع السوداني الرائع. اطاح بالديكتاتورية ولجم العسكريتارية، وبَّدل وجه الدولة. ولسنا نشبه الشارع الجزائري ابداً. اطاح بالديكتاتور ووقف صامداً امام نفوذ العسكر ولا يزال. وبالطبع، لا نشبه تونس، بصيغة “البوعزيزي”، ولا بصيغة الانتقال الديمقراطي، بإملاءات صناديق الاقتراع.

فلنتوقف قليلاً امام التهديد بالشارع. في لبنان شوارع. شارع واحد لا قيمة له. هناك شارع ماروني عارم. وهناك شارع شيعي عرمرم، وهناك شارع سني يراكم، وهناك دروز يعتصمون في جبالهم، وهناك تجارب كاوية، عرفناها عشية الحرب اللبنانية في العام 1975.

تهديد الوزير جبران باسيل بالطوفان، فقاعة سياسية. من الحكمة سحب هذا الكلام من التداول. ثم، قلة قليلة من اللبنانيين، كانت متفائلة بالتسوية. السلطة الحالية بنت شرعية لتسوية بين تيارين وشارعين ومحورين. لم يكن متوقعاً غير ما كان. لبنان “القوميات الطائفية”، هذه هي صورته المثالية. السلطة لجميع “المكونات”، و”المكونات” ليست مع هذه السلطة الجامعة. فلكل مكَّون سلطته. ولهذا، بدا العهد ضعيفاً، يقبض على الربح. انه شبيه بملك لا يملك… وصوت باسيل المرتفع جداً، لا يُعوَّل عليه، الا إذا قُلبت الطاولة، ودخل لبنان في الفراغ، وقرع باب الافلاس السياسي والمالي.

لبنان هذا، عمره مئة عام. اثبت انه نموذج للفشل. الأدلة امامنا. انظروا جيداً. تبينوا احواله. افحصوه بتفاصيله. قولوا لنا اين نجح؟ كل القطاعات مأزومة. السلطة مصابة بسرطان لا شفاء منه. لا كان معافى قبل الطائف ولا توقف بلاؤه ومرضه بعد الطائف. شيء واحد نجح بتفوق وجدارة: لقد غلبت الطائفية لبنان الدولة، ولبنان النظام، ولبنان الشعب، ولبنان الاقتصاد، ولبنان الأخلاق، حتى قيل أن لبنان دولة منهوبة، ومعروف جداً من نهبها وينهبها وسينهبها غداً ويحكمنا.

الصيغة التوافقية فاشلة وكاذبة ولا اخلاقية. الديموقراطية حفلة زجل وكاسك يا وطن. الاقتصاد في عهدة الحرامية. القضاء حفلة تنكرية تتم فصولها بحضور امرأة قيصر في تمام عهرها. التربية: ديانات وطوائف ورساميل. الاحوال الشخصية مأساة وجريمة ضد الأمومة والطفولة.

أما حب لبنان، فلا يشبهه حب أي شعب لدولته. كل اللبنانيين، يحبون لبنان أخيراً. حبهم الأول والثاني والعاشر، هو لغير لبنان. النشيد الحقيقي هو “كلنا ضد الوطن” الولاء اللبناني خرقة، ممسحة، كذبة. دماؤنا ليست لنا، بل لغيرنا من دول المحاور القريبة والبعيدة. أما الحكومة، فهي الممثل الشرعي للدول والمحاور المقيمة في لبنان. في ضيافة الطوائف والمذاهب والمحاور.

لذا، القول المأثور، “ما مت… ما شفت مين مات”، نلفت نظر الوزير باسيل اليه. إياك والشارع، تعاركوا على طاولة مجلس الوزراء، في الوزارات، في المؤسسات، في النفط. في المواصلات وفي كل ما تختلفون فيه وحوله وماله، ولا تخرجوا إلى الشارع.

نفاذ صبر التيار الوطني الحر، طبيعي. لكن نفاذ صبر اللبنانيين سابق على “التيار”، وتشكيلة السلطة المتوارثة. لا يحاولن أحد أن يقذفنا، بأنه كان يجهل خصمه وغريمه وعدوه وصديقه. كل هذه التركيبة معروفة، ومجربة ومبهدلة. الفارق الوحيد، أن “التيار” الشريك سابقاً لكل هذه القوى المتغالبة والمتنافسة في تجارة السلطة، قد بات هو “الأقوى”، ورئيسه “قوي” ومع ذلك، فإن الامور ساءت ووصل لبنان إلى الهاوية. “فحساب الحقل، ليس كحساب البيدر”. فشلت السياسات كلها. والسبب، أن الملح فاسد. إن اعمدة السلطة متداعية. أن الطوائف لا تتوقف عن الارتكاب. لا نعرف احداً من اصحاب الايادي البيض في الطوائف. الاستثناء الآدمي، نادر جداً، وضعيف جداً، وتجوز الحسرة عليه. أما المؤسسات المذهبية، فلا حول ولا قوة ولا… يا الله، هل هذه المؤسسات تخصك او تنتمي اليك؟

يحدث كل هذا “الدبيك” (من دبكة) وسقف السلطة مفخوت، وصندوق المال منهوب، واللبنانيون خائفون على قوتهم وخبزهم وجنى عمرهم. اما الشباب، فقد عرف الامثولة باكراً. سلك طريق الهجرة بعدما أصبح العاطل عن العمل بائساً من ايجاد أي عمل.

عندما يئس المسيح، قال: “هوذا بيتكم يترك لكم خراباً”.

ومن أعماق يأسنا نقول:” هوذا بلدكم يترك لكم خراباً”.

وعليه، فإن اللجوء إلى الشارع يعجل بجعل الخراب مكان اقامة للبؤساء اللبنانيين. أما اصحاب الملايين، فلهم الجنات الضريبية.

اللعنة.

لقد أنفقنا كل الآمال في مئة عام. حتى الشارع، الذي هو ملك الناس الغلابى، قد خلا، الا من قلة.

سؤال: متى يحتل الغلابى اللاطائفيون الشارع؟ لهؤلاء وحدهم ضمانة أن يكون الشارع يشبههم. هذا الشارع بانتظاركم أنتم، فمتى تجعلونه مكان اقامتكم؟

Exit mobile version