“السيف أصدق أنباءً من الكتب”. فلنُخرس الكلمات. الثرثرة السياسية العربية تفاهة. التابوت العربي، من المحيط الى الخليج. الخيانات مكلّلة بالاستسلام.
قرنٌ كاملٌ من معاقرة الفشل. التبرير مكافأة بالإذلال. أنظمة حكم تتعامل مع “شعوبها”، كأنها سلعة. فلسطين، طُردت من الخريطة. كوفئت “إسرائيل”، بسلام العار، وطُردت الحرية من المحيط الى الخليج. باتت “شعوب” الأمة أعداء السلطة. لذا، أنت لا تشعر. من زمان الى الآن، بأنك انسان.
“السيف أصدق أنباءً من الكتبِ”. صح. إنما، الأسلحة العربية، مدربة على القمع. العرب والتحرير ضدان لا يلتقيان وإذا التقيا سفكت فلسطين. سيف العقوبات والقتل والاغتيالات والنفي، حوَّل الناس إلى قطعان. دول بلا حريات، هي سجون مصفحة. إننا، منذ قرن تقريباً، نتبارى في نقل الجثة التي تسكن في أرواحِنا، لذا، فلسطين ممنوعة”. إسرائيل”، احتلت فلسطين، وأنظمة العار طاردت الفلسطينيين.
لا نظلم حكومات “حاربت”، وأنظمة “استبسلت”. خسرت، ثم قررت تحرير الكيانات من الحرية. الحرية أشد خطراً على الأنظمة من عداوات “إسرائيل”. جرائم “إسرائيل”، اعتدنا عليها. نلعنها بلغة رخوة. نكيل لها الاتهامات، مقابل قتل وموت تمارسه ضدنا. ضحايا “دولنا”، اثنان: عدد قتلانا بقبضات الأنظمة، وعدد الجرائم المستدامة، أكثر بكثير من شهداء القضية الفلسطينية.
احصدوهم، قالها الضابط الإسرائيلي. انهمر الرصاص. أصاب قافلة الفلسطينيين. أجهَزوا على الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. أجهزوا على المرضى والجرحى. حصدوا الناس. كوّموهم. مرت شاحنة إسرائيلية، داست القتلى. دهست أجسادهم الدامية.
جريمة فادحة على توقيت متداول. ليس مهماً عندهم دفن الجريمة. حفَروا 47 قبراً. الذين حفروا القبور، كانوا مقيدين بالسلاسل. كان هناك دم ناطق. فرضوا عليه الصمت. أغلق حكام العرب آذانهم. ثم سارت الأمور، وكأن شيئاً لم يكن.. السلاح اليهودي طاهر. أغدق الغرب عليه ترسانات صالحة، لحرب كونية. سلاح الفلسطيني دمه. وجريمة “إسرائيل” عند الفلسطيني لا تدفن.
كم هو ثمن القتل؟ غريب. دفعت الأنظمة ثمن القتل، وعوضت عن ذلك بقتل الحرية. إن شعباً بلا حرية، لا يقاتل أبداً.
كتب محمود درويش ما يلي: “هنا ينامون. نالوا عقاباً على جريمة غامضة. لم يخرجوا في مظاهرة واحدة، ولم يدافعوا عن الحياة والتراب إلا بالصلوات. كانوا يخرجون من البؤس في الصباح الباكر ويعودون الى البؤس في الغروب الباكر. كانوا ينتظرون المطر.. فجاءهم الموت في غزارة المطر”.
ثمة حاجة الى المقارنة الموضوعية: المطلوب جواب على سؤال بسيط وسهل: “هل تخشى الأنظمة الحرية أكثر مما تخشى إسرائيل؟”. سؤال تافه وبليد أرتكبه دائماً. لأن نيتي السليمة خائبة. خرف مزمن ومقيم.. طبعاً. “الأنظمة لا تخاف إسرائيل”. إنها لا تخاف إلا الحرية وعليه، الأنظمة تلقي القبض عليك وأنت تحلم فقط بالحرية.
بعد قرن، والفلسطيني مدفوع ومأمور ومطرود، وعليه ان يكتفي بلقب الضحية نعوض عليه بالكلام والصيغ. نكبله بقيود الحاجة. بالكفاف. بالتهجير. بالتأييس الفلسطيني ضحية إسرائيل وضحايا الأنظمة.
أخيراً، أصَرّ الفلسطيني أن يكون فلسطينياً فقط. والفلسطيني فقط، مقيم في فلسطين المحتلة، ومشروع التحرير عنده، لا يعود حلماً، بل يتحول إلى طلقة. لا أبالغ ليس المطلوب تنصيب الفلسطيني مقاماً خرافياً. ظلّ الفلسطيني فلسطينياً جداً. ارتكبت قياداته أخطاء. إنها أخطاء الضرورة والعبث واللا جدوى. المقاومة من خارج فلسطين، ضياع، ودماء مجانيٌ. السلاح في المخيمات البعيدة عن فلسطين، قابل للتوظيف والارتهان أحياناً. الفلسطيني المؤمن بفلسطين، مقيم في فلسطين المحتلة. ومن هناك يمتشق صوته ورصاصه وقلبه وعقله، وينازل “الإسرائيلي”، صاحب الكيان “الدولي”، المحصن من دول عظمى، المرشح ليكون نموذجاً للعرب (التطبيع كلمة رخيصة جداً الصحيح. التتبيع. أي أن تكون تابعاً).. الكيان “الدولي” مصان محروس. يتبارى العرب في الإرتماء بين قدميه. هذا الكيان الأعظم في العالم، مصاب بوهن يكبر. والذي أصابه: فلسطيني، قادم من فلسطين مدعوم من سلالة الحرية. الفلسطيني، يفك قيده بيده. لم يعد يُطيق الإقامة قرب الجثة العربية الممنوحة للذئاب الدولية.
الغريب جداً جداً، أن تصبح إسرائيل محجة للأنظمة. باستثناء قلة. إنه زمن الفجور المالي، النفطي، التبعي.
قد يعترض البعض على “تدين” السلاح الفلسطيني. حسن. لنأخذ ذلك بالاعتبار. انما، علينا أن نسأل: هل السلاح هنا في خدمة الدين أم الدين في خدمة السلاح؟
نريد جواباً عقلانياً. النزق الاصطفافي تحريض. نقول علناً: اللص الذي يخدم القضية، خير ممن يصلي ويجعر بأعلى صوته، صوناً للدين. الدين لا يخدم. يلزم أن يكون خادماً. المسيح في أميركا اللاتينية حارب الأميركيين في بلادهم المقتولة، بالظلم الرأسمالي. وكذلك الإسلام في الجزائر. الدين لا يتحرك وحده. نحن نتعامل معه وفق الحاجة. العقائد كانت لخدمة السلطات. فشل الدين في خدمة السلطات، فجور.
أما الدين في خدمة الشعوب. فهو مطوَّب بالحب والحلال والاحترام… مشكلتنا في فلسطين. ليست إسلامية في مواجهة يهودية، أبداً، أبداً. انها مواجهة سافرة بين الظلم الأقصى، المدعوم دولياً وعربياً وبين الحرية، أسمى ما عند الإنسان.
الإنسان الذي يفقد حريته، يشبه نعجة في قطيع. وعليه، نحن نوظّف الدين. معه أو من دونه، المفروض أن نكون بشراً لا نعاجاً.
لا تعوَلن، على خرافات دينية ولا خروقات ومخاريق السياسات العربية والدولية. لا تعوِلنَ على معلف مجلس الامن الدولي. لا تعولنَ على أنظمة عفنة وبائدة ومجرمة. ولا حيف أبداً، بمقاومة تبرعت فيها إيران ودافع فيها “حزب الله” عن لبنان حتى تحرره، وعن فلسطين الماضية إلى التحرير.
صح: “السيف أصدق أنباءً من الكتب”. ولتُقرع أجراس العودة. هذا ليس حلماً. إنه أقربُ إلى فلسطين، لذا: الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع.
شكراً فيروز.