طلال سلمان

انا الفلسطيني… لو تعرفون من انا

انا الفلسطيني ما زلت أنتظر. طافح بالألم والأمل. فلسطين ديني، ومن الشتات لن أغمض عيني. حي أنا، وقبل كل شيء انا انسان. هل تسمعونني الآن؟ انا انسان، من قبل ومن بعدُ وفي كل زمان ومكان، ودمي ليس حلالاً لأحد. إن الحقد سافل والحاقدون سفلة.

من يسأل عني؟ لا أحد! لو تعرفون دمي، لو تعرفون انني بشر، لو تعرفون، لاعترفتم بالإنسان فيّ، قبل أن أتصف بالصفات الحسنة، والرذائل السيئة.

أنت لاجئ. إذا، انت منبوذ. فعلا، كم أن الحقد سافل. لسنا، نحن الفلسطينيين، ملائكة، ولكننا لسنا شياطين تُطرد بتعويذات النقاء الوطني، واتهامات الغرباء، وعودوا من حيث اتيتم… افهمونا. نحن عائدون، لكن الطرقات مقطوعة والدرب طويل، ولنا حق الإيمان بالمستحيل… حقا، اننا لعائدون ولو بعد قرون قصيرة ومؤلمة.

أنا الفلسطيني، هل تعرفونني. لن أتباهى بأرومتي. لن اسرد أسماء الرجال والنساء الذين تفوقوا، شعراً، وفنا، ورسماً، ورواية، واقتصاداً وسياسة. لا بهورة ابداً. نحن لسنا أفضل من غيرنا. نحن بشر مثلكم، ولكن حظنا في الوطن، كان خاسراً.

قلنا، منذ قرن، هذه الأرض لنا. فلسطين لنا. هل سمعتم نداءنا. طردتنا الدول العظمى بحفنة صهيونية. ظلم واضح ومعلن وسافر. ارضنا التي لنا، اعطيت لغيرنا، بقوة القتل وغدر الدول وبعض “الاشقاء”. ليتهم ما كانوا. ارضنا لنا. زيتونها لنا. برتقالها لنا. مسيحها لنا. صليبه لنا. لكن، لم تأتِ القيامة.

نعم كانت هذه الارض لنا. نعبدها، كما غيرنا من شعوب الدنيا. لكننا تشردنا. نحن أكثر منهم عدداً. العرب أكثر منهم بكثير جداً. ومع ذلك، خسرنا. الحق معنا وعلينا. بدَّدنا الرصاص، هنا وهناك وهنالك. حصتنا المنفى منذ سبعين عاماً. حاولنا المستحيل: انتظرنا انظمة وجيوشاً واحزاباً. فلم يفلحوا. خسروا عسكرياً وخسرنا ما تبقى من الارض المقدسة. نقلنا ايماننا الينا. لا أحد سوانا، فامتشقنا السلاح.

لماذا تأخرنا عن حمل السلاح؟ وعدونا بالكلام. الاذاعات العربية شتمت “اسرائيل”، ونحن حصتنا خفي حنين.

لو سمحتم لنا أن نشكو، نشكو أنفسنا اولاً، لأننا صدّقنا انظمة تستقوي على شعوبها وعلينا. كنا نقيم في مخيمات البؤس. مكدسين كعفش مستعمل، او كخدم صغار. حولوا المخيمات إلى اقامة بائسة. الأمن لا يحرسنا، بل يُخرسنا. ممنوع علينا أن نخطو خطوة واحدة لقتال العدو. صرنا نحن العدو. صرنا اليد الرخيصة. نُستغل من الفجر إلى النجر.. كنا نتمنى أن نموت موتاً جميلاً. يحق لكل انسان أن يموت موتاً جميلاً. لم يكن لدينا رفاهية هذا الموت الجميل ابدا كنا نعيش كأننا نموت. ثم، نموت موتاً دائماً، فيما نحن احياء لا يُرزقون، لا عند ربهم، ولا عند شعوب شقيقة. عفواً.. شعوب شقية.

حملنا السلاح لنعود. ثم أخطأنا الطريق. كان ليلنا طويلاً، ومن معنا، قلة من أكرم الرجال، هنا وهناك وهنالك. لكن الانظمة، على اختلاف مشاربها وعسكرها وعقائدها، طاردتنا. قتلتنا. ثم بدأت المقتلة.

نعم، لقد أخطأنا الطريق ودفعنا الثمن. ولكن، بربكم، من كان منكم على صواب؟ تقريباً لا أحد. او، لا أحد البتة، سوى شعوب تشبهنا في اضطهاد انظمتها لها. وهكذا تشابهنا.

كنا عمالاً ننظف زجاج السيارات الفارهة. كنا عمالاً للتنظيفات، يعدوننا في الخروج ويبحثون عنا في الدخول. المخيم معتقل مع طاقة احتمال للإذلال المستمر… لم تحبونا. من أحبنا، كان صنف القديسين الذين امنوا أن الانسان صورة الله، او صورة السماء. هكذا هو الانسان. فنحن بشر يا ناس، قبل أن نتحوَّل إلى قطعة سلاح، وقبل أن تسمونا عصابات.

أخطأنا؟ نعم. وخطايانا نعرفها ونستنكرها. طردنا من الاردن، لأننا أخطأنا. لكن العقوبة كانت أكبر من الخطأ. طردنا من لبنان، ولم نكن وحدنا الخطأة. ما كان يحق لنا أن نرفع السلاح بوجه أحد. فعدونا “اسرائيل”. حتى الانظمة الفاسدة، ليست من اختصاصنا. لكل بلد شياطينه. ما كان ينبغي أن نكون كذلك. انما، من كان منكم بلا خطيئة. قاتلنا وقوتلنا وقتلنا. ما أفدح ما ارتكبناه، نحن وأنتم. كان يجب أن يكون قتالنا قوميا ضد “اسرائيل”. لا طائفيا ضد بعضنا البعض.

أنحني امام الدم وأقول، ما كان يجب أن تسقط نقطة دم واحدة في لبنان. الا من اجل العودة.

انتهت الحرب، وقد خسرناها جميعاً. لبنان ما عاد كما كان. وفلسطين ظلت كما كانت تحت الاحتلال بإدارة فلسطينية، ملزمة بحراسة “اسرائيل”.

أين كنا؟ وأين صرنا؟

انا الفلسطيني، ما زلت في لبنان. عفوا، ما زلت نزيل المخيمات. وما زلنا نحمل السلاح، بطلقات نصيب فيها بعضنا بعضاً. نقتتل على الفتات. انما اكثريتنا الساحقة، متعصبة لإنسانيتها أولاً. قلة قليلة توغلت في التعصب الديني والمذهبي… أيها اللبنانيون لسنا ملائكة، ولكننا حتما لسنا الشياطين.

هل نستطيع أن نرى اللبناني لبنانيا؟

طبعاً. هذا البلد هو وطن اللبنانيين. وانما، بكل اسف، لبنانكم الغالي، تسترخصه الطوائف. وعليه، فهناك طوائف تعادينا، وطوائف تواسينا. تلك هي مأساة اللبنانيين جميعاً. بلادهم جميلة ولكنها مرهقة ومتعبة ومتشنجة. بعضهم ضد بعض. ونحن من هذا البعض الضد. لسنا ضد أحد. فلا تكونوا ضدنا. عاملونا كبشر حقاً. وللبشر حقوق وواجبات. ونحن نطالب بالنزر اليسير من الحقوق. لسنا عبثا عليكم. اعباؤكم منكم وفيكم. لديكم تضخم عصابي في التعصب. نحن ضحاياه مثلكم. الفارق بيننا وبينكم، أن لا طائفية تقاسمنا اللجوء والاحلام الواحدة بالعودة. أنتم، بكل اسف، تتقاسمون بلداً صغيراً جداً. بأحلام صغيرة جداً جداً. تدعى سياسة ووظائف وصفقات اللبنانيون يستحقون وطناً لا مزرعة.. ثم. ما لنا ولهذا الكلام. قد يُقال لنا، إننا نتدخل في ما لا يعنينا. معكم حق. يعنينا أن نعيش عندكم كبشر يملكون مشاعر واحاسيس ورغائب مثلكم. اننا محرومون من بعضها، فلا يجوز لكم أن تحرمونا مما تبقى لنا عندكم.

طبعاً لسنا نستجدي. كرامتنا البشرية تمنعنا من التسول. هذا واجب اخلاقي تجاهنا. تجاه من اقفلت طرق العودة في وجوههم.

أخيراً…

ننتظر أن يبرهن لبنان، انه حضاري عن جد. نحن ممنوعون من امور كثيرة جداً. قبلنا ذلك على مضض، ونرفضه كبشر وكناس. لا تنظروا الينا كماسحي احذية وزجاج. لدينا من الكفاءات والعلوم والمعارف ما يُثري وما يُغني. ارضنا في فلسطين لها معنى واحد، يخصنا ويخص الاحرار في هذا العالم.

رجاء، انتموا اليها، ولو من بعيد. أنتم بحاجة إلى ايمان ما، فلا تجحدوها تطبيعا وتنازلاً. شدوا ازر المقاومة اللبنانية. عند النصر، سنرحل. ونستضيفكم عندنا كأحرار، مشاركين بالانتصار.

Exit mobile version