طلال سلمان

الوطن بأهله والارض

ليس الوطن سفينة تركبها في رحلاتك خلف مصالحك ثم تتركها وتبتعد عنها مسرعاً لأن صفقة جديدة داعبت خيالك وأربكت حساباتك القديمة.

وليس الوطن طائرة تتنقل بها في أنحاء الدنيا ثم تتركها لأن طائرة جديدة، أكبر وأفخم طالعتك وأنت متجه إلى طائرتك التي تنتبه فجأة إلى أنها قديمة وصدئة وبطيئة.. وتتسبب في تأخيرك عن مواعيدك.

الوطن الأرض، ولو كانت جزيرة صغيرة، تائهة في المحيط وسكانها نفر من الناس.

الوطن أنت: وجهك، روحك، قلبك، شعورك بأن لك ارضا تخصك أنت، هي لك ولأولادك من بعدك، تعطيك لون بشرتك وشرف الانتماء إلى ما يستحق الدفاع عنه لأنه يمثل كرامتك، عزتك، إنفتك، حقك في هذه المساحة من الأرض التي يتمدد ظلك فوقها باعتزاز.

..ولطالما زرت بلاداً أكثر اتساعا، فيها جبال أعلى من ظهر القضيب، وفيها سهول أكثر اتساعاً من سهل البقاع شرقاً وغرباً، ولكن الهواء فيها لم يدغدغ وجهك برائحة الأهل والشمس فيها لم تزِد من سمرتك التي جئت بها، والمدافن الأنيقة التي عبرت من حولها لم تثر فيك الحنين إلى من فقدت.

الأرض ليست كومة تراب وحجارة. الأرض أنفاس من خلفوك وعبروا إلى دنياهم الأخرى. من أرضعوك رحيق خيرها، برملها وصخرها وأشجار المشمش والزيتون وكروم العنب تحرسه مساكب الياسمين والورد الجوري وأنفاس أمك وهي تملأ الأحواض بماء عينيها.

الأرض أنت. الأرض أمك. الأرض أبوك. الأرض أهلك. الأرض وجهك. الأرض منبتك، ملعبك، دارك، مدرستك، مسكنك، ليلها قمر، وفجرها شمس تغيب ليكون ليل العشق ترشقه النجوم بهمسات الحنين.

الوطن بأهله، وليس الوطن بأهل الحكم فيه. أهله بالنساء والرجال والأطفال. بالغنم والحملان والبقرة التي تمدك بحليب الصباح.

الوطن هو الذي يسكنك فيمنحك شرف الهوية ويسبغ على أبنائك كبرياء الاعتزاز بالأرض التي تمشي فيها خفيف الوطأ لكي تحفظك نظيفاً حين تعود إليها.. قبل أن تولد مرة أخرى.

Exit mobile version