طلال سلمان

الوحدة الوطنية كضمانة للنصر على الحرب الإسرائيلية

لنتفق، بداية، أن لبنان لم يُهزم في مواجهة الحرب الإسرائيلية التي ما زالت مفتوحة، برغم الجراح الثخينة التي أصيب بها في إنسانه وفي عمرانه.

ولنتفق، أساساً، أن وحدته الوطنية، على مستوى شعبه كما على مستوى سلطته، كانت، وما تزال، إحدى الركائز الأساسية التي حصّنت مقاومته المجاهدة وهي تصد عدوه الإسرائيلي وتخلخل اطمئنانه إلى أنه الكيان الوحيد الثابت في هذه المنطقة التي يخضها الغليان الشعبي في وجه أنظمتها العاجزة التي استدعت إليها الاحتلال العسكري، كما في العراق، أو الهيمنة الأجنبية كما في مجمل بقاع الوطن العربي.

ولنتفق، ثالثاً، أن من حق هذا الشعب الجريح والمثقل بخسائره الفادحة في بنيه وفي مصادر رزقه وفي أسباب تقدمه، أن يطمئن إلى صلابة موقف سلطته وتوحّدها في مواجهة محاولات إسرائيل لأن تفرض عليه، سلماً، وبقراءتها الخاصة للقرار 1701، ما لم تستطع أن تفرضه عليه بحربها التي امتدت لخمسة أسابيع طويلة من الجحيم المفتوح فكادت تحوّل نصف مساحته إلى أرض محروقة، وكادت تحقق بها الشعار الذي اتخذته هدفاً لحربها: “إعادة لبنان ثلاثين سنة إلى الوراء”.

ولنتفق، رابعاً، أن من حق هذا الشعب أن يطمئن إلى أن عدوه سيلتزم بوقف العمليات الحربية، وخصوصاً أنه أمضى ليلته الفائتة على دوي الغارات الجوية وصواريخها ذات الطاقة التدميرية الهائلة، وذات الكفاءة العالية في القتل الجماعي، بينما أبناؤه في الجنوب، أو من تبقى منهم، يشهدون المحاولات المتكرّرة لإنزال قوات إسرائيلية في أنحاء متفرقة من أرضهم لاتخاذها رهينة، وفرض أمر واقع جديد يتجاوز مضمون القرار الدولي حتى بأسوأ القرارات لنصه التي تباهت وزيرة الخارجية الإسرائيلية بالقول إن مسودته قد وُضعت بالعبرية، أصلاً، وهي التي اتخذت أساساً للتفاوض في مجلس الأمن..

ولنتفق، خامساً، أن “المكافأة” التي تعرض على المقاومة لا تتناسب مع كونها قد حققت للبنان كله، وللعرب من بعده، إنجازاً تاريخياً غير مسبوق، إذ أنها واجهت هذا العدو ـ بجيشه الهائل القدرات التي تجعله أقوى خامس جيش في العالم ومنعته من تحقيق “انتصار باهر في زمن قياسي” على عادته في حروبه العديدة مع الجيوش العربية، التي كثيراً ما فرضت عليها الحرب بغير أن تكون مهيأة لخوضها.

ولنتفق، قبل وبعد، أننا لم نتحقق من أن العدو الإسرائيلي سينفذ فعلياً منطوق القرار 1701، وأن خبرتنا به لا تجعلنا نطمئن إلى صدق التزامه بالقرارات الدولية… ولم يكن من قبيل العبث أن القرار الجديد قد أشار إلى القرارات القديمة والتي بقي معظمها حبراً على ورق، وبقي معها جيش الاحتلال الإسرائيلي حيث وصلت دباباته حرباً!

ولنتفق، أخيراً، أن سلاح المقاومة هو سلاح الوطن جميعاً، لم يستخدم مرة إلا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. فلم يستخدم يوماً في الصراع السياسي المحلي، ولم يلوّح به “حزب الله”، مرة، في وجه من قد يعتبرهم أو قد يعتبرونه “خصماً” أو “منافساً”… بل إن الغالبية الساحقة الماحقة من اللبنانيين قد فوجئت بحجم بهذا السلاح وفعاليته، بقدر ما فوجئت بالشجاعة الأسطورية للمجاهدين في صفوف المقاومة، وكفاءتهم العالية في مواجهة العدو الإسرائيلي وفي تكبيده خسائر فادحة لم يتكبّد مثلها في أي من حروبه السابقة ضد العرب (عدا حرب تشرين 1973).

وليست ضمانة للوحدة الوطنية أن نلتفت الآن إلى قيادة المقاومة، وهي بعد في قلب المواجهة المفتوحة، والتي بلغت يوم أمس بنهاره وليله، ذروة في الضراوة لم تبلغها في أي يوم من أيام المواجهة الهائلة التي استطالت لخمسة أسابيع..

لقد واجه اللبنانيون، شعباً وسلطة وجيشاً، هذه الحرب الإسرائيلية بوحدتهم الوطنية وبتكافلهم الاجتماعي الذي فتح القلوب والبيوت في المناطق التي لم تحرقها نيران الحرب الإسرائيلية، للذين دمّرت الهمجية الإسرائيلية بيوتهم في مدنهم وفي قراهم وفي الضواحي الجنوبية للعاصمة بيروت.

كذلك فقد ساند اللبنانيون حكومتهم وهي تخوض المعركة السياسية والدبلوماسية، فحجب المعارض معارضته، وأرجأ الناقم نقده، وتوافق الجميع على ضرورة شد أزر السلطة باعتبارها الوجه الآخر للمقاومة في مواجهة الحرب الإسرائيلية.

لماذا إذاً الاستعجال في المطالبة بتنفيذ ما لم يحن أوان تنفيذه بعد، مع أن عدونا لم يعوّدنا الصدق في التزامه بأي قرار دولي، ومع أنه أبلغنا عبر غاراته وإنزالاته ومحاولات جيشه المستميتة أنه إنما يريد أن يستخدم واقع الاحتلال الذي استحدثه بعد القرار الدولي، للضغط علينا علّنا ننزلق إلى فتنة تشغلنا بأنفسنا عنه وتعفيه من أي انسحاب، وتحوّل احتلاله المؤقت إلى احتلال دائم، وتجعلنا في الوقت نفسه خارجين على الشرعية الدولية.

ليس المهم متى يجتمع مجلس الوزراء،

المهم: من أجل ماذا يجتمع؟!

والأهم أن يستطيع أن يجتمع تحت راية الوحدة الوطنية، وألا نكون كمن يساعد الحرب الإسرائيلية على تنفيذ ما لم تستطع أن تحققه بنارها الجهنمية.

نشرت في “السفير” 14 آب 2006

Exit mobile version