طلال سلمان

الملوك والرؤساء العرب في واشنطن… فلا يسمعون عن المذبحة في غزة!

تعاملت الدول العربية، ملكية وجمهورية وامارات بتجاهل كامل مع الذكرى السبعين لإضاعتها فلسطين، كيوم بل اسبوع ثقيل الوطأة.

لقد اشتعلت غزة اساساً، ولحقت بها الضفة الغربية، ولو بشيء من الخجل وبؤس العجز عن المشاركة الفعالة. وبلغت الوحشية الاسرائيلية حدها الاقصى في مواجهة الفتية المتظاهرين والمحتشدين خلف السور المكهرب، وليس في ايديهم الا ما تيسر من حجارة، نادراً ما تبلغ هدفها، أي جنود الاحتلال المصفحين بالدروع، في ايديهم الرشاشات والبنادق ذات الرصاص مخترق العظام، من حولهم الدبابات والمدرعات، وفي الجو تحلق الطائرات المزودة بكاميرات لالتقاط صور “المشاغبين”.. ولقصف منطلق التظاهرات التي يمكن اعتبارها القواعد الخلفية للقيادات التي تخطط وتواكب “اعمال الشغب”:

“إن هؤلاء المشاغبين يحاولون افساد احتفال الاسرائيليين بعيدهم الوطني، قيام دولتهم المستقلة على ارض انبياء إسرائيل..”

على امتداد ذلك الأسبوع “الاحتفالي” كانت الشاشات الاجنبية، ومعها الصحف والمجلات، ووكالات الانباء، أكثر كرماً من مثيلاتها العربية في عرضها ما اصاب فتية فلسطين في غزة الذين تساقط المئات منهم قتلى وجرحى، رفعهم زملاؤهم إلى المستشفيات الثلاث الوحيدة في القطاع، حيث لم يبق على قيد الحياة، ولو مشوها، الا طويل العمر، ومن استطاع التغلب على الرصاص المحشو بما يعطب المصاب بغير امل في الشفاء.

أما الصحافة العربية، مرئية ومسموعة، وجميعها ـ الا القليل القليل في لبنان ـ مملوك من الدولة او من الساعين في ركابها، او في طلب رضا اولياء الامر الذين يرون أن فلسطين قد عاشت اكثر مما يجب وآن أن.. تغيب!

كان الحكام العرب، ملوك نفط وامراء غاز، ورؤساء جمهوريات غارقة في دمائها او منهكه بمشكلاتها، في شغل شاغل عن فلسطين والذكرى السبعين لاحتلالها واستيطانها، او قرار دونالد ترامب بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب إلى تلة مشرفة على القدس جميعاً، بكنيسة القيامة والمسجد الأقصى ومسجد الصخرة حيث صلى عمر بن الخطاب.

لم يجرؤ أي منهم على الظهور، امام شعبه، ليقول كلمة شجب لهذه الوحشية الاسرائيلية مستذكراً الشهداء ـ الفتية ـ الابطال الذين يعطون مواطني هذه الامة شرف الانتماء اليها..

لم تسحب اية دولة عربية (مصر، قطر) سفيرها من تل ابيب، ولم توقف عواصم عربية عديدة بينها دولة الامارات بعنوان دبي والبحرين مساعيها “لترسيخ علاقات الصداقة مع الكيان الصهيوني”.

ولم تتوقف محاولات تعزيز العلاقة الودية بين قادة دول عربية أخرى ومسؤولين اسرائيليين، سجلهم حافل بالمذابح والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها ويرتكبها بوتيرة شبه يومية جيش الاحتلال.

وتصادف أن انعقد مؤتمر الدول الاسلامية في تركيا، على مستوى الرؤساء او من ينوب عنهم، فلم يخرج البيان الختامي بغير الشجب والاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بان يحمي “القضية المقدسة”.. حتى بعد خطاب الوفد اللبناني الذي اعتبره البعض “عنيفا”..

حتى تركيا، الدولة المضيفة، لم تتجرأ على قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني واكتفت بالطلب من السفير الاسرائيلي المغادرة، تاركاً السفارة في عهدة القائم بالأعمال.. متناسية قبل شهداء غزه وبعدهم الاذلال الذي تعرض له السفير التركي لدى العدو الاسرائيلي عندما انطلقت بعض السفن الصغيرة من بيروت قاصدة غزة، فأوقفها العدو في ميناء اسدود بعدما قتل بعض ركابها واصاب آخرين، ثم صادر السفينة ولم يفرج عن الجرحى الا بعد تدخل دولي و”توسل” عربي.. منعا للإحراج!

يتوافد الملوك والامراء وأولياء العهود والرؤساء العرب إلى واشنطن، يجلسون إلى “الرئيس ـ الوعل” دونالد ترامب، والى وزير خارجيته ومسؤولي الاجهزة الامنية، فلا يأتون على ذكر اسرائيل بكلمة سوء.. بل أن بعضهم، ممن لم يعرف شعبه “المجهول” الذي اسمه الديمقراطية، يقف على باب البيت الابيض ممتدحا الديمقراطية الاميركية، فاذا ما سئلوا عن فلسطين امتدحوا حكمة رئيس السلطة التي لا سلطة لها وتمنوا له الصحة والسلامة.. مطمئنين جمهورهم إلى أن واشنطن “لا يمكن الا أن تكون مع حل عادل للقضية المقدسة”.

*****

قبل أيام، عاد من غزة الطبيب المناضل غسان ابو ستة، بعدما قصد اليها، متوقعاً ما سيلقاه شعبها من مجازر، وما سيحتاجه الجرحى الذين افترض انهم سيكونون بالمئات فاذا هم يرقون إلى الآلاف.

تحدث كطبيب، وليس كأخ للشهداء او الجرحى.. كتم وجعه واكتفى بدور “المُبَلغْ”. عرض الصور الموجعة للإصابات التي لا شفاء منها، نتيجة الرصاص المسموم الذي وجهه جنود العدو إلى ركاب الفتية الذين كانوا يلوحون بأعلام فلسطين، ويرشقون حجارة جمعوها سلفاً نحو جنود العدو فلا تبلغ مواقعهم الا نادراً.

جلس اليه البعض في “دار النمر”، وجلس اليه آخرون في مركز عصام فارس داخل الجامعة الاميركية: شاهدوا وسمعوا، دمعت عيونهم، وتعالت شهقات الحزن من صدورهم.. رأوا العدو يقتل الفتية بدماء باردة، او يلحق اصابات تترك تشوهات لا يشفيهم طب في اجساد اولئك الفتية الذين بالكاد “يتسلحون” ببعض الحجارة، الا إذا تيسر لبعضهم الحصول على سلاح ثقيل، كالمقلاع.

التحرك “المتعاطف” العربي الوحيد تمثل في قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفتح المعبر بين غزة ومصر طيلة شهر رمضان المبارك احتفاء بالشهر الفضيل!

اما بقية الدول العربية فلم تتبرع، لا سمح الله، بعلاج الجرحى، او بإرسال اطنان من الدواء، او بتوصيل بعض الملايين (ولا نقول المليارات) من الدولارات، لمساعدة أهالي الشهداء والجرحى، وتجهيز المستشفيات وزيادة اعدادها لتحمي الفتية الابطال من الموت او التشوه والقدرة على الصمود ومواصلة المواجهة بأجسادهم العارية و..الحجارة؟

إن فتية غزة هم ابطال هذه الامة التي خسرت عواصمها التاريخية في الحرب ضد الذات، او في الفتنة، او في العجز عن مواجهة العدو القومي، فتلطت وراء معاهدات “الصلح” و”السلام”، وتركت فلسطين بموقعها المقدس وتاريخها الشاهد على عزة العرب يوم كانوا امة لا تقبل الذل والهوان، تقاتل حتى بلحمها الحي طلبا لاستعادة الحرية والارض والكرامة، بإجبار المستعمر على الجلاء، ورفع اعلام غد الاستقلال والعزة فوق سرايات الحكم.. بدل أن تكون هذه السرايات قواعد خلفية للعدو، ومراكز للتواطؤ على دولهم وقهر شعوبهم بالسجن او الإذلال بالدينار.

*****

لم يستطع كثيرون أن يذهبوا إلى غزة في ثياب النجدة، كما فعل الطبيب ابو ستة..

ولكن بالإمكان أن نفعل الكثير لغزه، طالما استحال علينا الوصول اليها.

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

 

 

Exit mobile version