طلال سلمان

اللبنانيّون: أمّةُ من ذوي الإحتياجات الخاصة ـ الجزء الاول

غالبية اللبنانيّين ومن يشاركهم العيش على أرض لبنان “الكبير” باتوا من ذوي الإحتياجات الخاصّة.

فاللبناني بحاجة أولًا الى دستور،

ومعه هو بحاجة الى ميثاق يبرّر من خلاله الدستور ويفسّره ويختلف فيه عنه ومعه،

وبعد، هو يحتاج الى قوانين ليتسنّى له مخالفتها من طريق التعديلات التي يفتي بها،

والحاجة متّصلة الى الإستثناء والإستنساب والإنتقاء، لأنّها الوسائل الى التَمَيُّز والتمايز والتمييز، والهدف يبقى الحصول على الإمتيازات.

واللبناني قبل كلّ شيء وبشكل دائم منذ قرن بحاجة الى قانون إنتخاب: عصري، عادل، ديمقراطي، وطني، لا طائفي/ مذهبي، لا زبائني و”لبناني” في آن. على أن يفسّر كلّ “على ليلاه” معاني ومرامي كلّ من الصفات والنعوت الآنفة (والمستأنفة). ولهذه الغاية، هو بحاجة الى النسبية معطوفة على الصوت التفضيلي (بعد محاولة التأهيلي الفاشلة)، معطّلَة بالتقسيمات الإدارية الإنتخابية ومعطوبة بإلزامية اللوائح الموحّدة وأخيرًا ملغاة بالحرص على التوازن الطائفي/ المذهبي (فهمت شي؟).

وزيادةً في الإحتياط، أي كي لا يبقى أي إجراء منطقيًّا أوبسيط الفهم أوسهل التطبيق، فإذا أُسْقِطَتْ نيابة أحدهم (هنّ) بالضربة الدستورية القاضية (من قضاء وليس قدر) فَهو بحاجة الى أن تُعاد الإنتخابات على أساس أكثري جِهَوي بعيدًا كلّ البعد عن روحيّة قانون الإنتخاب الأساس، النسبي، الهجين.

واللبناني يحتاج الى مجلس دستوري مستقل، غير معيّن من قبل السلطات المتسلِّطة (زعامات وطوائف)، كي (لا) ينظر عفوًا (أي تلقائيًّا) في دستورية القوانين. والأمر نفسه ينطبق على مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء.
والإحتياجات تصبح خاصّة باختيار مشرّعيه من ذوي الإنفصام بالشخصية والإنتماء، فهم “الدكتور جيكِل” تحت سقف التشريع يجعلون من الحبّة قبّة (قبّة البرلمان) وهم في الخارج “المستر هايد” (1) يلعنون الساعة… من حول طاولات مقاهيها.

هذا في القانون. أمّا في السياسة والإجتماع،

اللبناني بحاجة الى لقب، أيّ لقب، جميع وكلّ أنواع الألقاب وصنوفها: فخامة، دولة، عطوفة، معالي، سعادة، سيادة، (أ) مير، باشا، بيك، شيخ، أستاذ، دكتور، بروفيسور، عالم، محامي، حكيم، مهندس، مستشار، خبير، إختصاصي، المناضل، العميد، الأمين، الرفيق، المساعد. ويمكن للقارىء تحريك كلّ حرف من كلّ كلمة ولقب كما وكيفما يشاء للدلالة على الموقع أو الجهة أو الرأي أو المرتبة. (لمزيد من الألقاب راجع (2)).

أمّا المسؤول اللبناني فبحاجة الى المواكب والرخص والنُمَر (على السيارات باختلاف أنماطها ومعادنها المخالفة للقانون) والى الجوازات والحمايات الخاصة بالزجاج المافياوي ومرتزقة المرافقين والى كلّ عدّة إزعاج المواطنين بالإستعراضات لإشعاره بأهمية تفاهته. فالرؤوس الفارغة كَثُرَ ما تتجوّل في سيارات فارهة. وكلّما توسّع الفراغ بين أذُنَيْ هذه الرؤوس كلّما زادت معه فراهة أدوات الإستعراض ورقعة الدشم وضخامة الأزلام في محيطه.

واللبناني بحاجة الى أرقام، أي رقم، كلّ أنواع الأرقام… على نمر السيارات، على الهواتف، على مختلف الأوراق بتنوّع وظائفها، على الميزانيات والموارنات، في الإحصاءات، في الدراسات العلمية والتقنية، على… والرقم ذاته يختلف، ويتحوّل، ويتغيّر، ويتكيّف، حسب وروده على ورقة رسمية، أو في تحقيق صحفي أو قضائي، أو من على منبر سياسي أو جماهيري، أو في صالون خاص، أو على حقيقته… وزيادة في الإحتياط، ولكي لا تُدْرَك الحقيقة، يبقى الرقم وجهة نظر.

والمسؤول اللبناني هو دائمًا وأبدًا بحاجة الى التفخيم والتعظيم والشكر والتنويه والإشادة والتكبير والتكريم والى الأوسمة والدروع والشهادات. فهو يُشكَر على قيامه بأبسط واجباته خلال توليه مسؤوليات سياسية أو وظيفية أو إدارية، دستورية أو قانونية أو حتى من دون سبب. ويُشكَرعلى تقصيره في القيام بواجباته أو لدى قيامه بأعمال ليست من واجباته أو إختصاصه أو حتى لمخالفة أو التراجع عن مخالفة القانون. هو بالتالي كما وصفه الأميركي جون برايت “رجل صَنَعَ نفسه بنفسه… ويُؤَلّه خالقه”(3).

أمّا السياسي اللبناني فبحاجة الى الظهور، أيّ أداة للتباهي! في مفهوم الثورة، هو على تقاطع أفكار مع كلّ من جيفري فيلتمان وتشي غيفارا، بالتزامن. وفي العلاقات الدولية، هو حليف لهذه الدولة أو تلك في حين أن شأنه لا يتجاوز إعتباره مشروع مُخْبِر طامح الى أن يصبح مرشّح عميل لدى موظف من الدرجة الرابعة في وزارة الخارجية أو الخزينة في تلك الدولة. وفي معالجة الأزمات الدولية، هو بحاجة الى أن يخال نفسه نقطة “تلاقي إستراتيجي” بين جون بولتون وقاسم سليماني. على أنه، في الإقتصاد، هو شريك ماركس وبيكيتي في تسطير مؤلّف “رأس المال” بنسختيه القديمة والحديثة. ومن إدّعاءاته أنّه وفّق فيما بين نظريات إنغلس من جهة وكينز وستيجليتز (4) من جهة ثانية في ما آل إليه الإقتصاد العالمي.

غريبة هذه الأمّة.. أمّة من ذوي الإحتياجات الخاصة !..

والذروة تبقى في حاجة اللبناني الى “إجماع وطني” لكلّ عمل عام تقوم به الدولة / الحكومة في كلّ أمر وضرورة. في السياسة والأمن والقضاء والإدارة وأيضًا في سائر متطلبات الحياة مثال الكهرباء والنفايات والمياه والبيئة الخ… ومع الإجماع الوطني يجب المحافظة على مقولة أن يكون كلّ وزير “سيّد نفسه” كي نضمن مع ذلك نسف مبدأ المساءلة والمحاسبة من الأساس. ومن أبرز الإبداعات في اعتماد الشيء ونقيضه اتّباع سياسة “النأي بالنفس”.. عن كلّ ما ينفع البلد والمواطن هذا بالتزامن مع “حشر المنخار” في كلّ ما يأتي بضرر علينا.

هذا غيض من إحتياجاتنا،

هؤلاء فيض من “نحن”،

وكما نحن …سيبقى يُوَلّى علينا !

(والى الجزء الثاني قريبًا)

(1) Dr. Jekyll and Mr. Hyde
(2) كاتب، أديب، شاعر، قاص، روائي، ناقد، أكاديمي، مؤرّخ، فنّان، مسرحي، نُخبوي، مثقف، مفكّر، إقتصادي، سياسي، صحافي، إعلامي، مدوِّن، مُحلّل، باحث، إستراتيجي، إقليمي، دولي، عالمي، وطني، إسلامي/ مسيحي، إنساني، حضاري، الرئيس، السفير، المفوّض، القنصل، (بعد إستثناء المقامات الرسمية وأعتذر عن إضطراري لإغفال الكثير من الألقاب لضيق المكان، والخلق معًا… كما ونفاذ معجم المفردات).
(3) John Bright: “He is a self-made man and worships his creator” رجل دولة ليبرالي متطرّف، خطابي بامتياز.
(4) Karl Marx، فيلسوف ألماني، إقتصادي، مؤرّخ، ثوري إشتراكي..- Thomas Pickety، إقتصادي فرنسي، أستاذ جامعي..- Friedrich Engels، فيلسوف ألماني شيوعي، صحافي..- John Maynard Keynes، كبير إقتصاديّي بريطانيا ..- Joseph Stiglitz، إقتصادي أميركي حائز على جائزة نوبل للإقتصاد عام 2001.

Exit mobile version