طلال سلمان

القومي العربي الأول ومؤتمره..(صورة)

منذ أن اجتاح الطغيان العراق، اختار خير الدين حسيب »منفاه«: العمل من أجل غد عربي يليق بكرامة الإنسان.
وهكذا بدأب النملة، وبإيمان الصوفي، وبصبر عزّ نظيره، عكف هذا »الأمير« الآتي من الموصل، على بناء أكثر من مؤسسة على طريق الهدف العزيز: أن يحفظ حق الإنسان العربي في أن يعرف تاريخه وفي أن يستشرف بالعلم وبالدراسة الرصينة مستقبله وموقعه ودوره وحقه في الإسهام في حضارة القرن الحادي والعشرين.
»مركز دراسات الوحدة العربية«.
لم يحدث أن قامت مؤسسة بمثل هذه الجدية في العمل،
ولم يحدث أن احتفظت مؤسسة عربية، وعلى مرّ السنوات العجاف والظروف القاسية ومن بينها شحّ القادرين وتنصل الحكومات والمسؤولين من وعودهم وتعهداتهم، بقدرتها على الانجاز، وبرصانة الاختيار، وبرعاية الدارسين والباحثين وأصحاب الاجتهادات لكي يعطوا أفضل ما عندهم مما يمكن التأسيس عليه للغد المرتجى.
وكانت الثمرة الناضجة للمركز مجلة »المستقبل العربي« التي يمكن اعتبارها مرجعù موثوقù لنتاج الفكر القومي في أفضل تجلياته، خلال العقدين الماضيين.
ثم كان »المؤتمر القومي العربي« الذي بدأ فكرة ثم حوّله الجهد الدؤوب لخير الدين حسيب وبعض النخبة من رفاقه القدامى وأصدقائه المشتتين والمنسيين أو المنفيين إلى مشروع مؤسسة حوارية متميزة و»أحد المنابر العربية الفكرية السياسية القليلة جدù التي لا تزال تجتمع فيها نخب عربية من المحيط إلى الخليج«.
كل سنة كان خير الدين حسيب يخوض نضالاً شاقù من أجل عقد هذا المؤتمر وحماية استمراريته: أن يجد دولة تقبل باستضافته، أي بتسهيل دخول المشاركين، وبالسماح لهم بأن يتكلموا في قاعة مقفلة، وأن يتناقشوا في ما بينهم، مراعين عدم إحراج »المضيف«، ومن دون أن ينسوا شكره، في النهاية، على كرم الضيافة… ناهيك بتأمين نفقات السفر والإقامة ومراعاة ارتباطات المشاركين!
وكل سنة كان يضيق الخيار، أكثر فأكثر… فالعواصم الهاربة من القومية العربية والعروبة، والقادة المهرولون إلى السلام الإسرائيلي، والذين خرجوا من جلودهم لكي ينتسبوا إلى »الشرق الأوسط الجديد«، كل أولئك لم يعودوا على استعداد للتساهل مع »أبناء الماضي« من الحالمين أو المتوهمين ان التاريخ سيعود إلى الوراء، وأن أفكارù خطرة مثل الوحدة العربية والدولة العربية وتحرير فلسطين يمكن لها فعلاً أن ترى النور بعد،
ولعل خير الدين حسيب قد رأى أنه لا يستطيع أن يمضي في الحرب على جبهتين، بينما الذخيرة تتناقص كل يوم بين يديه، فاختار أن يتحصن في مركز دراسات الوحدة العربية مفترضù أن بين »رفاق السلاح« في المؤتمر من يضمن له الاستمرار ونصاعة الدور.
ونأمل أن يجيء اختيار البديل موفقù، فما عادوا كثرة أولئك الراغبون والقادرون على السباحة عكس التيار.
لكن المشكلة ستبقى شخصية: فخير الدين حسيب قد أدمن »النفي« داخل الفكرة القومية، وأدمن العمل لاستنقاذ ما تبقى من روحها حتى شغله ذلك عن كل ما عداه،
وكائنù مَن كان »البديل« فإن ظل الأمير الآتي من الموصل سيظل مخيمù على المؤتمر، الذي يحمل دائمù بصمات »القومي العربي الأول« خير الدين حسيب، و»الأول« هنا بمعنى المؤسِّس لما سيكون، وليست رتبة أو لقبù تكريميù.
»ط.س.«

Exit mobile version