ما هذه القاهرة، الساحرة، الماكرة، النادرة، الباهرة: تغيب عنها شهوراً وتعود اليها مشتاقاً فتضيع عن بيوت اصدقائك الذين يهربون من قلبها الذي يزدحم بالملايين من ساكنيه او العابرين فيه، إلى التلال المحيطة بعاصمة العشرين مليوناً بل الثلاثين، ربما خمسة وثلاثين مليونا في النهار، مع حركة التنقل بينها وبين.. الاقاليم!
لم تعد تستطيع ان ترى الاهرامات من قلب القاهرة.. ولم يعد المقطم “جبلاية” ترصد تضخم العاصمة من فوق، بل لقد زحف اليها العمران، بيوتاً ومؤسسات، مدارس وجامعات خاصة، وصرت مهدداً بالتيه إن لم تحفظ العنوان جيداً، وكذلك الطريق إلى حيث تقصد.
لا بد من المقطم، اذن، لزيارة معرض الكتاب، في اعلاه،
ولا بد من التزاحم والتدافع مع قاصدي هذا المعرض الاستثنائي الذي يحوي نتاج دور النشر المصرية والعديد من دور النشر الوافدة بكتبها من معظم الاقطار العربية.. متجنباً التصادم مع المتدافعين صغاراً وكباراً واطفالاً وصبايا الورد.
لا يمكن عرض المليون كتاب التي تضمها اجنحة المعرض، الذي يتربع فوق المقطم، بالطوابق الثلاثة الممتلئة حتى عيونها والتي تحتاج إلى دليل مدرب فضلاً عن الكتيب ـ الدليل الذي يرشدك إلى مقصدك.
المفرح أن جيل الشباب يشكل اكثرية الزوار، فضلاً عن السيدات اللواتي اتين بالجلابية البلدي، والفلاحين الذين تدل عليهم ثيابهم والقلنسوات او العمائم التي تغطي رؤوسهم، وكل يحمل بين يديه ما اشتراه بحرص شديد كمن يحمل كنزاً او هدية ثمينة من صديق عزيز.
لا بد من عرض تفصيلي لما يتضمنه هذا المعرض، ولكن لا بد من ملاحظة على الهامش: لقد احتل بطل الوطنية المصرية سعد زغلول مكانه الشرعي في هذا المعرض بمجموعة من الكتب عن سيرة نضاله واحاديث منفاه مع بعض الذكريات مع عقيلته “ام المصريين”.
في العودة يمكنك أن تسلك طريق المشير طنطاوي الذي كان رئيس اركان الجيش المصري، والذي أسهم في خلع الحكم المدني ليسلم السلطة إلى المشير السيسي ليكون “العهد الجديد” لمصر التي كانت دائماً أعظم من حاكمها، والتي لا تفقد روحها مهما تضخمت حركة العمران مستولدة آلاف النكات الجديدة عن الذين يضيعون عن بيوتهم او تضيع منهم!