طلال سلمان

القانون المعتق والصندوق السحري!

لم تعد الطبقة السياسية في لبنان تعمل حساباً “للشعب” بعدما اطمأنت إلى انها نجحت في أن تجعله مجموعة من الطوائف والمذاهب، لا رابط فعلياً بينها بعدما تم تدمير “الدولة” كإطار وطني جامع، وتوزعتها الميليشيات الطائفية والمذهبية كغنائم حرب.

آخر “الشواهد” على هذا الواقع النقاش العبثي المفتوح منذ سنوات حول قانون الانتخاب، والذي وفر الفرصة- مجدداً- امام القوى الطائفية التي صادرت العمل السياسي منذ زمن بعيد لكي تزيد الفرقة والانقسام بين اللبنانيين بذريعة الحرص على ابداع قانون جديد يؤكد “لحمتهم الوطنية” بشطب مواطنيتهم الموحدة وتوزيعهم شراذم على الطوائف والمذاهب، بحيث تنعدم بينهم الروابط وتسقط الاهداف والمطامح المشتركة والاخطر: يتهاوى شعورهم بالانتماء إلى “وطن” له “دولة” ولهذه الدولة مؤسسات “ديمقراطية” تمثل “شعبه الواحد” وتعبر عن ارادته.

لقد داخت “الشرعية” وهي تتابع المناقشات المفرغة من المعنى التي تدور فيه منذ سنوات، والتي احتدمت مؤخراً بين القوى الطائفية المموهة بالسياسة، حول قانون الانتخاب الجديد: تريدونها على اساس نسبي ام أكثري؟ وهل تريدونها بالقانون الارثوذكسي ام بقانون الستين؟ ام لعلكم تريدونها بقانون مختلط يجمع التناقضات التي تضمنتها مختلف مشاريع القوانين المطروحة، بالمزايدة ام بالمناقصة؟

من يتابع مسار هذه المناقشات، بالمؤتمرات الصحافية والندوات التثقيفية والتصريحات الشارحة والبيانات الموضحة لما جاء في بعض هذه التصريحات او لما سقط منها، يدرك إلى أي حد تحتقر هذه الطبقة السياسية رعاياها، فتستغفلهم وتسخر منهم وتدوس عليهم، واثقة من انهم لن يستطيعوا محاسبتها.. فلا الوقت يسمح، ولا التضامن الحديدي للطبقة السياسية يمكن اختراقه، ذلك أن مصالحها جميعها موحدة ضد الناخبين والناخبات مهما بلغت اعدادهم.

الطريف انه صار للجبهة السياسية الواحدة أكثر من مشروع، لكن المشاريع جميعاً تتقاطع عند هدف واحد: الغاء “الناخب”، بعدما ثبت انه غير لازم لإجراء الانتخابات. فمع قوانين طائفية ومذهبية تقطع أوصال البلاد جغرافيا، ثم طائفياً، ثم مذهبياً، تصير الانتخابات معركة وهمية بين متماثلين.

وقبل ثمانية وعشرين سنة، وفي مؤتمر الطائف الشهير، كان قد تم النص على استحداث مجلس شيوخ “في أقرب وقت ممكن” يكون هو الاطار التمثيلي للطوائف بما يحرر قانون الانتخابات النيابية من القيد الطائفي… وهكذا يكون ثمة مجلسان، ويتسنى لطائفة الموحدين الدروز أن يكون لها “رئيس”، اسوة بالطوائف الكبرى أي: الموارنة والسنة والشيعة والأرثوذكس (ولهم نيابتا رئاسة في الحكومة والمجلس النيابي..)

آخر ما استجد أن للتيار الوطني الحر، بقيادة زعيمه الجديد، مشروع انتخابات جديداً مختلفاً-فيما يقال، عن مشروع زعيمه السابق، رئيس الدولة الحالي، وهو “عمه” او “حماه” والد السيدة زوجته..

وفي حين تم تشييع “القانون الارثوذكسي” حتى من قبل أن يرحل “راعيه” الرصين فؤاد بطرس، او انه أسقط سهواً من جدول اعمال الطبقة السياسية..

وبقي امام الرعايا في لبنان قانون الستين وحده او “ابن الستين” كما تسميه العامة والدهماء..

في المدة الفاصلة بين العام 1960 واليوم، أي في العام 2017، تبدلت الدنيا واختفت معالمها الاصلية: سقط الاتحاد السوفياتي واندثرت كتلته الاشتراكية، وقام الاتحاد الاوروبي، ثم تخلخلت اركانه بانسحاب بريطانيا منه، وسقطت أنظمة عربية قوية في مصر والعراق وليبيا، وتصدعت انظمة أخرى (سوريا)، ودمرت اقطار عربية مؤثرة كما في ليبيا والعراق وسوريا واليمن على أيدي أهلها “العرب”.. واستولدت “القاعدة” وتفرعت عنها “جبهة النصرة “و”الدولة الاسلامية”، وبادر الرئيس الاميركي الجديد إلى دعوة الرئيس الفلسطيني إلى زيارته في البيت الابيض في واشنطن.

..لكن ذلك كله لم يهز شعرة من رأس النظام الفريد في لبنان، ولم يشغل بال الطبقة السياسية التي توحد اركانها ضد “شعوبهم” التي قسموها طوائف ومذاهب مصطرعة، وقد استفاق بعضها إلى أن “العهد الجديد” يجب أن يراعي الاقليات، ولو انتحرت الاكثرية او نُحرت.

والسؤال الآن: من هي الاقليات؟ ومن هي الأكثرية.. خصوصاً وان النظام اقوى من “الارقام” و”الزعامات” اقوى من “الرعية”، و”صندوق الاقتراع” سحري تضع فيه من تريد فيُخرج لك من يريد!

Exit mobile version