طلال سلمان

العرب يخرجون من الحرب وفلسطين.. واسرائيل تحاول مصادرة غاز لبنان

يبدو ما تعلمنا انه “الوطن العربي” في هذه اللحظة، كأرخبيل من الجزر المتخاصمة، مع تمويه لأسباب الخلاف وتعظيمها حتى حافة الحرب، من دون التفكير بشرحها، من دون شتائم وتجريح واتهامات خطيرة بالمروق او الانحراف وصولاً إلى الخيانة..

لا علاقة اخوة وتعاون بين أي دولتين عربيتين.. لذلك انهارت جامعة الدول العربية، ولم ينفع مجلس التعاون الخليجي، ولا الاتفاقات ثنائية وثلاثية ورباعية، في تأكيد وحدة المصالح، قبل اعلان الايمان بوحدة المصير.

ذهبت إلى النسيان تلك المؤسسات التي انبثقت عن الجامعة العربية، او انشئت كبدائل منها، والمتصلة بالتجارة والزراعة والسوق العربية المشتركة..

بالمقابل سقط في بئر النسيان “مكتب مقاطعة العدو الاسرائيلي” بعدما أُسقطت صفة “العدو” عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين..

ثم، وبالتدريج، وبعد حروب مكلفة، أُسقطت صفة “العدو” عن اسرائيل، وبدأ مسلسل معاهدات الصلح، بديلاً من “الهدنة” التي كانت ترعاها ـ نظريا ـ الامم المتحدة.. وولدت الاتفاقات الجديدة مجالات للتعاون الحذر في البداية، والمكتوم غالباً، قبل أن يسقط الحذر وتفتح الأسواق والمطارات والسفارات، في بعض البلاد العربية، ولو بشيء من التهيب سرعان ما ذهب مع الريح.

وكان بديهياً أن يتم ذلك، بهذه النسبة او تلك، على حساب العلاقات العربية ـ العربية، ليس في المجال السياسي فحسب بل في المجالات الاقتصادية ايضاً.

ولان “الاتفاقات العربية” مع العدو الاسرائيلي كانت تتم تحت الرعاية الاميركية (بين كمب ديفيد والبيت الابيض..) فقد غلبت العلاقة مع الولايات المتحدة على العلاقات الثنائية والجماعية العربية.

لم تعد الولايات المتحدة صاحبة السيادة على آبار النفط والغاز، فقط والشريك الاول في التجارة وسائر الانشطة الاقتصادية، بل أن واشنطن قد تحولت إلى مركز او مصدر القرار العربي (اذا ما صح اعتباره عربياً)..

وبعد الحرب الاميركية على العراق وإسقاط صدام حسين، في ظل تواطؤ عربي معلن، ارتاحت دول الجزيرة والخليج العربي خاصة، ومجلس اقطار المشرق، من “هاجس” العراق، فانطلقت تعظم من شأن الخطر الايراني ليكون الذريعة الاضافية للاحتياج إلى “الحماية الاميركية”، بالقواعد العسكرية والتعاون الامني، من غير أن ننسى أن أرصدة عوائد النفط والغاز مجمدة في الولايات المتحدة الاميركية، والقرار في توظيفها او تحريكها فضلاً عن استعادتها، اميركي بالمطلق.

كذلك فان الخريطة العربية قد تشققت بعد حرب العراق: “استقلت” دول الخليج بقرارها، معظمة الخطر الايراني بعد الخطر العراقي، مفيدة من انشغال مصر بأوضاعها الداخلية، ثم اكتملت الدائرة بالحرب في سوريا وعليها، فاذا المسافة ضوئية بين الرياض ومعها ابو ظبي والمنامة والدوحة، والقاهرة.. فضلاً عن بغداد ودمشق (وبيروت)، ناهيك بالعلاقة مع دول المغرب العربي.

***

الملفت هنا أن بعض دول الخليج انطلقت تتنافس على النفوذ في ليبيا، بعد اسقاط نظام القذافي، وقد وقع أكثر من تصادم بين قوات موالية للإمارات وأخرى موالية لقطر.

والملفت، ايضاً، أن بعض دول الخليج قد تجرأ فخرق حاجز العداء مع إسرائيل.. وكانت قطر اولى الدول التي خرقت هذا الحجاز، متذرعة آنذاك “بالخطر السعودي”.

وفي لقاء قديم ألح عليه حاكم قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حاول تبرير فعلته بالتهديد السعودي لشبه جزيرته باقتطاع نقطة التواصل البري الوحيدة مع دولة الإمارات.. فاستنجد بإيران، فلم تلبِ نداءه، وكذلك بعراق صدام حسين فلم يستجب لطلبه، وهكذا ذهب يطلب الحماية من واشنطن فأبلغته أن بابها في تل أبيب.. وعليه فقد ارسل وزير خارجيته حمد بن جاسم إلى واشنطن ليلتقي شيمون بيريز.. وانتهى بان شكا التخلي العربي!

ويمكن لقطر أن تتباهى اليوم، بأنها كانت الأولى وليست الوحيدة من بين دول الخليج التي أقدمت على ارتكاب “الخطيئة الاصلية” :الاعتراف بالعدو الإسرائيلي..

فقبل ايام كان في القدس، وبذريعة الصلاة في المسجد الاقصى، وزير من سلطنة عمان، على رأس وفد محترم..

وقبل اسابيع كان في القدس، وبذريعة الصلاة اياها، وفد “رسمي” من البحرين عهدت سلطاتها برئاسته لرجل دين “شيعي” وسط جمهرة من رجال مخابراتها.. سعياً إلى الفتنة بين المسلمين!

ويؤكد بعض العارفين بأسرار الحكم في دولة الامارات العربية المتحدة أن ثمة قنصلية اسرائيلية في دبي، وان هناك مشروعاً لفتح ثانية في ابوظبي، ولو مموهة..

هذا فضلاً عن اللقاءات العلنية التي عقدها الامير السعودي تركي الفيصل مع مسؤولين اسرائيليين، تحت ستار “الحوار الثقافي”.

***

الجديد في الامر: معركة النفط التي تشكل الآن العنصر الجديد في “الحرب” العربية ـ الاسرائيلية.

الجبهة الأولى لهذه الحرب: الشواطئ الجنوبية في لبنان المحاذية لفلسطين، وبالتحديد “البلوك رقم 9” من البلوكات التي قدر الخبراء انها غنية بالغاز اساساً، وربما بالنفط ايضاً.

وكان العدو الاسرائيلي قد نقب فاكتشف على الشاطئ ذاته، وقرب نقطة الحدود مع لبنان (عند الناقورة) حقول نفط وغاز، وباشر في استثمارها..

ولقد فوجئ لبنان في حومة الصراع مع العدو الاسرائيلي بأخبار مصدرها تل ابيب، سرعان ما اكدتها جهات رسمية في القاهرة، عن صفقة هائلة تشتري بموجبها شركة خاصة مصرية الغاز من العدو بما قيمته مليار ونصف المليار دولار.

ولقد جاءت هذه الاخبار لتفسد فرحة اللبنانيين لاكتشاف حقل (ظهر) في مصر على شاطئ المتوسط.. وهو الاكتشاف الذي اعلنت عنه القاهرة في احتفال حضره الرئيس السيسي وبشر فيه المصريين بالاكتشاف الجديد الذي يغطي حاجة مصر في السنة الاولى، وقد يفيض عنها في السنوات التالية.. وما أكثر الدول الاوروبية التي تطلبه.

وفي رأي بعض خبراء النفط في لبنان، وبينهم من فاوض العدو الاسرائيلي لسنوات عبر لجنة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، والمشرفة على تنفيذ القرار 1701 الصادر بعد حرب تموز (يوليو) 2006، أن التهديد الاسرائيلي للبنان يستهدف “اخافته” لمنعه من استثمار ثروته من الغاز والنفط.

بل أن هؤلاء الخبراء يؤكدون أن الإعلان الإسرائيلي عن صفقة بيع الغاز المستخرج من الارض الفلسطينية إلى شركة مصرية، ربما يأتي في سياق الحرب الاسرائيلية على لبنان ومنعه من استثمار نفطه.

ولقد سارعت الولايات المتحدة الاميركية إلى الاعلان عن تبرعها ببذل “مساعيها الحميدة” التي باشرها وزير خارجيتها ريكس تيلرسون خلال زيارة الساعات الخمس إلى بيروت، ثم ترك فيها مساعده دافيد ساترفيلد الذي كان سفيراً سابقاً في بيروت، ليتابع “مساعيه الحميدة” مع الطرفين.. فقام السفير بزيارتين التقى خلالهما المسؤولين الإسرائيليين وعاد من دون نتيجة تُذكر.

على أن لبنان قد أعلن بلسان كبار المسؤولين فيه أن أي تهديد اسرائيلي لن يمنعه من استثمار النفط الواقع في مياهه الاقليمية، والتي لا يمنع قربها النسبي من نقطة الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة، من العمل فيها والافادة من هذه الثروة الوطنية التي ستسهم في تفريج ازماته الاقتصادية، لا سيما بعد اقفال الحدود البرية التي كانت تعبرها الشاحنات بمعدلات كثيفة يومياً، لنقل الانتاج اللبناني (لا سيما الفواكه والخضروات) إلى العراق ومختلف اقطار الجزيرة والخليج..

وهكذا فان الحرب الاسرائيلية على العرب مستمرة، بشهادة غارات الطيران الحربي المتواصلة على سوريا (والتي تناقص اعدادها بعد اسقاط طائرة الاف 16 فوق الجليل داخل فلسطين)..

ثم بشهادة هذا الاعتداء العلني على لبنان لحرمانه من ثروته المحتملة في النفط والغاز، بينما هي تستمتع بالنفط والغاز المستخرج من ارض فلسطين المحتلة.

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية” و”القدس” الفلسطينية

Exit mobile version