ها هم “العرب” يصيرون، أخيراً، من أهل البيت الابيض في واشنطن..
لقد خرج منه ذلك الدعي المتكبر على لونه الاسمر بثقافته وعلى نصف النصف من نسبه الاسلامي ببراعته في الخطابة، باراك اوباما، وعاد إلى سدة الرئاسة من هو جدير بها: الكاوبوي المالي، المضارب، السوقي، متعدد الزوجات، الكذوب، والذي يتقن لعبة الاعلام الحديث فيطلق تغريداته مع الفجر ويترك خصومه الكثر ساهرين في قلب القلق لا يقاربهم النوم ولا هم يعرفون خطوته التالية.
مع دونالد ترامب استعاد أهل النظام العربي مكانتهم: أن لهم الصدارة في مركز القرار الكوني، اذ لا يكاد يخلو جدول مواعيد البيت الابيض من لقاء مع ملك او رئيس او ولي للعهد او رئيس سلطة لا سلطة لها، فان تعذر فمع ولي لولي العهد..
إن بين كل ثلاثة مسؤولين يلتقيهم رئيس العالم قائداً عربياً جاء يقدم النصح او المشورة لترشيد القرار الكوني..
بل لقد باتت واشنطن “عاصمة عربية”، او هي، بالتحديد، عاصمة القرار العربي بتوقيع دونالد ترامب… وهكذا فان ما تداول به أهل القمة العربية في عمان لم يتحول إلى قرارات الا بعدما تبناها البيت الابيض، واعتمدها.
ساحر هو دونالد ترامب: يقدم عليه “الامير العربي” وهو ملك العالم، ويقدّم عليه “الرئيس العربي” ويخاطبه بلهجة تلميذ يبجل معلمه. انه يُخجل ضيوفه العرب بتواضعه: يدخلون اليه متهيبين سطوته الكونية فيوحي اليهم انه انما يتعلم منهم فيتكابرون ويتحدثون وكأنهم الشركاء في القرار الكوني..
أن واحدهم يدخل عليه متكئاً على عصاه، فاذا ما جلس إلى مائدته لغداء او عشاء خرج من لدنه وقد رأى نفسه “عليك امير المؤمنين اميرا”..
ليس مهماً أن يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اسوأ خطيب رئاسي، وانه يتخبط في مشاريعه الاقتصادية (قناة السويس نموذجاً..) والتحولات في مواقفه (حكاية الجزيرتين تيران وصنافير، ومجمل العلاقات مع السعودية والخليج..)
المهم أنه ومضيفه قد قدما، خلال زيارة السيسي البيت الابيض، عرضا نموذجياً للجهل السياسي والخطاب الشعبوي والنفاق العلني وتقديم الشخصي على القضايا السياسية والاقتصادية المعقدة والخلافات الاستراتيجية..
فالرئيس الاميركي ترامب اكد دعمه القوي للرئيس المصري (الذي نتعلم منه..)
بالمقابل فان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعلن انه يقف بكل قوة إلى جانب ترامب..
قبل السيسي، وقبل القمة، كان الملك عبدالله ـ الاردن ضيف ترامب لتحديد المطلوب من القمة، ومرة ثانية ـ بعدها ـ للإبلاغ أن المطلوب قد تم اقراره.
وطابور المتقاطرين من القادة العرب إلى البيت الابيض في واشنطن سيتواصل.. ولن ينتبه هؤلاء إلى انهم قد تركوا فلسطين لمصيرها الإسرائيلي..
ولن تفيد المآدب والجلسات المهابة للمحادثات الرسمية وخطابات النفاق المتبادلة في تبديل حرف مما كتبه المضارب ـ المزواج ـ المعلق المبكر على الاحداث بحيث يغدو “النجم” و”المصدر” بينما يتحول الآخرون، بمن فيهم الملوك والرؤساء العرب إلى كومبارس.. للتهريج، طمساً لكارثة التنازلات المتوالية حتى يقضي “ترامب” امراً كان مفعولاً!
تنشر بالتزامن مع السفير العربي