طلال سلمان

العدو في مواجهة “خيارات كلّها سيئة”

غزة ـ حلمي موسى

اليوم 79، ودوما يتجدد الأمل بأن النصر قريب.

كتب رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود أولمرت مقالا طالب فيه بوقف الحرب والذهاب فورا إلى صفقة تبادل شاملة. وسألت “ريشت بيت” وهي إذاعة رسمية، رئيس الوزراء السابق يائير لبيد عن هذا الموقف فرد قائلا إن إسرائيل تعمل في ظلّ خيارات كلها سيئة. وكان قد قال إن يوم أمس هو “يوم أسود” لإسرائيل وإنه ليس من المريح ان تسمع يوميا أسماء القتلى (من الجيش).

والحقيقة إنه بقدر ما يسقط قتلى بين جنود الاحتلال بقدر ما تزداد الصورة قتامة. وقد أعلنت صحيفة “معاريف” صباح اليوم عن مقتل 13 ضابطا وجنديا أمس وأسمته “السبت الأسود”.

ويبدو أن التوجّه العام للجيش الإسرائيلي خلال الأيّام أو الأسابيع المقبلة سيكون استبدال العملية البرية الواسعة بأرتال كبيرة بعمليات نوعية وضربات جوية.

ولكن مشكلة تغيير الوجهة تصطدم بواقع مرير أساسه أن قسما كبيرا من القتلى الإسرائيليين هم من أفراد القوات الخاصة، أي الذين ينفذون العمليات النوعية والتي تكبدهم خسائر أكبر طالما أن المواجهة تجري وجها لوجه.

وتُظهر اللقاءات الإعلامية مع جنود عاملين، ومع قيادات سابقة أن هناك شعور بالخيبة الشديدة. فهم كانوا يظنون أنه على الرغم من صعوبة العملية إلا إنهم قادرون عليها. واليوم يبدو أن حتى المتطرفين في الكيان يناقضون أنفسهم تجاه ما ينبغي فعله. فهم يعتبرون جيشهم قليل العزم ولا يضرب بما فيه الكفاية، ويطالبونه بتحقيق إنجازات وحسم سريع في الوقت ذاته.

صحيح أن وزير الحرب غالانت يعلن أن السنوار سيواجه قريبا فوهات بنادق الاحتلال بعدما كان يسمع ضجيج الدبابات والجرافات من فوقه. ولكن “قريبا” هذه على لسان وزير الحرب طالت في نظر الإسرائيليين، والجيش لم يعد يحتمل المزيد، كما أن الاقتصاد لا يحتمل المزيد. والمذهل هو أن الجيش الإسرائيلي، وفق ما ينشر في وسائل الإعلام الأميركية، مندهش من حجم إخفاقه الأمني وجهله لما تملكه المقاومة في القطاع.

فالصحف الأميركية تتحدث عن أن حجم الأنفاق في غزة هو خمسة أو ستة أضعاف ما كان يقدره الجيش الإسرائيلي. كما أن التكتيك الذي انتهجته المقاومة باستخدام العبوات ومضادات الدروع أذهل الاحتلال. ولا يقلّ أهمية عن ذلك أن بنية المقاومة وقدرتها على التكيّف مع العملية البرية قد خيّبت آمال الجيش الإسرائيلي في سحق المقاومة.  

ويتحدث الاحتلال حاليا عن تغيير الوجهة، ويعود جانبا من ذلك إلى قدرة المقاومة على الاستمرار، بالإضافة إلى الضغط الداخلي من أجل إنجاز تبادل الاسرى، في ظلّ موقف المقاومة الثابت برفض التفاوض حول الأسرى قبل الوقف التام للحرب.

وتقدم اسرائيل كل يوم مزيدا من الإغراءات للمقاومة للقبول بالتبادل. ولكن مع استمرار الجمود في العملية، فإن اسرائيل تتجه للولايات المتحدة وللدول الغربية للضغط على قطر من جهة وعلى المقاومة من جهة أخرى لتليين موقفها. والضغط الذي تطالب إسرائيل بممارسته على قطر هو ضغط سياسي ودبلوماسي وإعلامي، في حين أن الضغط الذي تريده على المقاومة هو في الملاحقة الشخصية والمالية لقياداتها أو أنصارها في الخارج.

ولكن جهود إسرائيل كلّها حتى الآن لم يغير من واقع الحال شيئا. في الواقع، إن اسرائيل تواجه وضعا جديدا.

ولا بد من الإشارة الى ما نشرته “وول ستريت جورنال” حول ما حدث في اليوم الأول من الحرب من اتصالات بين الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن توجيه ضربة استباقية لحزب الله في لبنان قبل بدء الضربات الجوية على غزة.

وتوضح مصادر إسرائيلية أن معطيات الصحيفة الأميركية ليست دقيقة، بالرغم من أن الكثير منها صحيح. وبحسب هذه المصادر، فقد توفّرت لدى إسرائيل يوم 7 اكتوبر معلومات عن نية حزب الله توجيه ضربة والدخول في الحرب. وقيل أن فرصة ذهبية توفرت للجيش الاسرائيلي لتوجيه ضربة استباقية مدمرة لحزب الله. وكان يؤيد هذه الخطوة كل من وزير الحرب غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيسي الشاباك والموساد. وقد تردد نتنياهو واستشار كلا من غانتس وايزنكوت قبل أن ينضما الى كابينت الحرب. كما أن بايدن أجرى اتصالات مكثفة مع نتنياهو استمرت إحداها ٤٥ دقيقة لإقناعه بعدم ضرب لبنان حتى لا تتسع الحرب.

ويقال بأنه لو كان قد تم توجيه الضربة الاستباقية لحزب الله لتغير وجه الحرب. وبالطبع، فإن مثل هذا التغيير كان سيعني اندلاع حرب شاملة.

“80 يوما يا غزّة”

غدا هو اليوم الثمانون للحرب. وطبعا هذا يذكرني بأغنية “فرقة العاشقين” عن بيروت: “ثمانين يوم يا بيروت ما سمعناش غير الهمة الإذاعية.”

وقد أذيعت هذه الأغنية خلال اجتياح لبنان في 1982، عندما كان النفس العروبي والقومي مازال عاليا، وعندما كان الوضع الرسمي العربي لم يصل بعد الى الدرك الذي هو فيه حاليا.

صحيح أن اجتياح لبنان كان من نتائج اتفاقيات كامب ديفيد التي سهلت وصول الاحتلال للمرة الأولى الى عاصمة عربية بعد القدس واحتلالها. ولكن تلك الحرب شهدت أيضا اندفاع الشباب العربي للتطوع إلى جانب المقاومة، فوصل آلاف من المتطوعين من كل بقاع الارض إلى البقاع في شرقي لبنان على أمل المشاركة في الحرب. وقد شارك بعضهم ولم يشارك آخرون. وكان الفخر كبيرا والمعنويات عالية، حتى عندما غادر المقاتلون من مرفأ بيروت الى المنافي.

لكن “ثمانين يوما يا غزة” تختلف جذريا. فالحصار على غزة شامل وكلي، وليست هناك “بقاع” يتوافد إليها متطوعون. وباستثناء جنوبي لبنان الذي يشكل رئة تنفس لغزة، هناك اليمن بحصاره البحري للسفن الإسرائيلية واطلاقاته على إيلات، والعمليات التي تنفذها فصائل عراقية ضد مواقع أمريكية. أمّا عن المتطوعين، فلم أسمع سوى زعيم “أنصار حزب الله” الذي أعلن انه طلب من دول عربية تسهيل وصول مقاتلين يمنيين لنيل شرف المشاركة في القتال.

لقد تغيّر الكثير في المنطقة العربية في الأعوام الاربعين ونيف التي تلت اجتياح لبنان. حينها، لم تكن اتفاقيات “أبراهام”، ولا صيغ التطبيع مع العدو قائمة. وكانت الأمور تبدو سيئة برغم أنها كانت أفضل بكثير مما نشهده حاليا. لم يكن أكثرنا وقتها يعتقد أن الوضع العربي يمكن أن يزداد سوء وأن بعض العرب سيتناولون المقاومة وحتى صمود الشعب الفلسطيني بالسوء. صحيح أن هؤلاء هم في الغالب إمّا مغرضون أو جهلة، وهم لا يمثلون المعدن الأصيل للشعب العربي في كل اقطاره، ولكن كلامهم مؤلم. وما يخفف من أثر كلامهم، الوضوح الشديد لموقف الغالبية الساحقة من شعبنا العربي في كل اقطاره، ووقوفه الصلب إلى جانب المقاومة.

ومؤخرا، نشرت استطلاعات للرأي دولية في عدد من البلدان العربية أظهرت قوة تأييد الشعوب العربية للمقاومة الفلسطينية ومدى إيمانها بعدالة وأحقية القضية.

ومن جهة أخرى، يشهد العالم عموما، والولايات المتحدة خصوصا، تغييرات جدية في مواقف الراي العام تجاه الصراع. وتظهر استطلاعات الرأي الدولية أن الفارق كبير وإنه لصالح القضية الفلسطينية. وهذا ما يدفع عدد كبير من المعلقين والمفكرين الإسرائيليين إلى المطالبة بوقف الحرب لمنع استمرار تدهور مكانة اسرائيل في العالم.

Exit mobile version