مرة أخرى، ومع سهى بشارة، تتطابق الصورة مع المثال: ليس المناضل أسطورة، بل مجده أنه إنسان من لحم ودم، مشاعر وعواطف وطموحات، له أب وأم وإخوة وأخوات، وربما له أطفال أيضاً، لكنه يقدم القضية على ذاته، ويقدم ما هو سامٍٍ إلى حد أنه يَفْضُل حياته، كالوطن والأمة والحرية والعدالة، على ما يخصه وحده ولا يعني غيره.
المرة الأولى كانت مع السيد حسن نصر الله لحظة استشهاد بكره »هادي«، حين تبدّى المقاوم في أروع تجليات إيمانه بالقضية الحق.
وهذه المرة مع زهرة القندول الجنوبية سهى بشارة، العائدة من النضال إلى النضال، وقد ازدادت صلابة، وتعاظمت وعياً، وأكسبتها المواجهة مع المحتل وأدواته شفافية نادرة.
إن المقاومين يضخون الأمل في صدورنا. إنهم يمنحوننا الإيمان بالذات وبالقضية وبحقوقنا.
منهم نتعلّم كيف نحرر الأرض والإنسان وكيف نحب الحياة وكيف نكتب الشعر.
إنهم لا يعلِّموننا بقتالهم فقط، ولكن بسلوكهم الشخصي المرهف، بالقدوة التي يقدمون لأجيالنا، بكسر أسطورة الاستحالة، وبفضح عجز السلاطين المهرولين إلى الذل ودائماً بذريعة أنهم يحاولون »تحديد الخسائر« و»حماية مستقبل أطفالنا المهدَّدين بهزائم جديدة« إذا نحن لم نوقّع فوراً على اتفاقات الإذعان والخضوع لمسلسل الشروط الإسرائيلية التي لا تنتهي إلا مع نهايتنا كوطن وكأمة لها هويتها ولها تاريخها وعندها الجدارة بأن تكون لها مكانتها ومكانها تحت الشمس.
ويا أيتها »البشارة«: نعرف أن كلمات التقدير والأوسمة والتحيات والقصائد لن تداني ذرة من مجد عذاباتك، ولن تتسامق إلى ذيل تضحياتك المجيدة.
لكنك، مع رفاقك سواء الذين »قضوا أو الذين ينتظرون وما بدلوا تبديلاً« تعززون فينا شرف الانتماء إلى وطن يستحق أن نقدم له حياتنا، وإلى أمة تعظم بأبنائها… وتعدّلون في مناهج الحكّام والحكومات وفي سياسات الدول.
إنكم تعيدون الاعتبار إلى هذا الإنسان العربي المقهور وتؤكدون قدرته على إمساك مصيره بيديه.
إنكم »البشارة« بغدنا الأفضل.
تحية باسم أبنائنا الآتين إلى عصر ستكونون بعض ملامحه.
تحية يا قصيدة المقاومة وحداء المقاومين..
ودير ميماس الجنوب هي الشاعر والبندقية والكتاب.
نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 4 أيلول 1998