طلال سلمان

السوري أيضاً يستحق الحياة

في إحدى الاختبارات التي يخضع لها طالب وظيفة ما، هناك السؤال التالي: تخيل أنك في مركب على وشك الغرق وأنه عليك التخلي عن أغلب محتويات حقيبتك وأن تحتفظ بعدد محدود منها، بم ستحتفظ؟ ثم تقدم له قائمة تحتوي على عدد من الأشياء عليه الانتقاء بينها.
من نافل القول أن الحكم على آهلية المتقدم للوظيفة تتعلق إلى حدٍ ما على إجاباته، فمن يحتفظ مثلاً بزجاجة نبيذ ليشربها قبل أن يموت سيُعتَبرْ كمتشائم وخائر العزيمة على عكس من يحتفظ بحبل بسيط قد يساعده على اصطياد سمكة أو ربط نفسه بقطعة خشب تساعده على البقاء حياً.
بعيداً عن الكلام العاطفي، فالزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا هو من النوع الذي يدفعنا إلى تساؤلات مشابهة. ما المهم حقاً حين يكون هناك ناس عالقة تحت الأنقاض، تعد حياتها بالثواني ولا يتعدى أملها بالبقاء على قيد الحياة أكثر من ثلاثة أيام؟
لا جواب الا الإسراع في مساعدتهم مهما كانت العوائق. بقية الأسئلة تأتي لاحقا.
كل كلام لا يصب باتجاه الذين لايزال من الممكن انقاذهم في الساعات القليلة القادمة، هو كلام مردود وقابل للتأجيل.
السؤال الوحيد هو كيف يمكن إيصال المعدات والأشخاص والمعونات إلى المحتاجين؟ ومن هو قادر على ذلك دون حجج ودون شروط.
أبدى السوريون خلال هذه الفترة قدرة هائلة على التعاطف والمساعدة بما تجاوز الحدود المرسومة بين المناطق المختلفة. هذا لوحده تجاوزٌ للحصار وللمنع وللسيطرة المفروضة على كل جانب.
ليس للسوري إلا السوري.. هذا ليس شعاراً، انه الواقع، ولعله من اللافت أن الناس لم تستنجد بأحد بل باشرت باستنفاذ حدود الممكن: جمع ما يمكن من ألبسة وأدوية وشاحنات… مهندسون تطوعوا لرصد المباني الآلية للسقوط، فنانون تبرعوا بثمن أعمالهم بالكامل، ناس فتحت بيوتها ومطاعمها للناس. السوري فاقد الأمل من دولته ومن العالم لكنه ليس قانطاً. السوري حي لأنه داخل المعمعة المرة والصعبة، لحظته هي لحظة العالم الذي لا يأبه إلا لحساباته، لكن السوري داخل الحياة لا متقاعداً عنها. صحيح أنه يتركها أحياناً تمر أمام عينيه وأن حياته صعبة كالعلقم، لكنه أيضاً هنا يقاوم الأنقاض بيديه وأسنانه، هو الأب الذي يمسك يد ابنته حتى لا تلفظ أنفاسها وحيدة وهو الطفل الذي يولد لحظة موت عائلته وهو الأخت تحمي أخيها فيخرجان معاً إلى الحياة.
ليس يأساً هذا. غير صحيح أنه “مالنا غيرك يا الله” الأصح أنه لنا الله ولنا نحن ولنا الحياة… لأننا ككل البشر نستحق الحياة.
Exit mobile version