طلال سلمان

“السلطان ” اردوغان ووصية سلفه: “أخاف أن يصيبني في سوريا ما اصابني في لبنان”!

..ولما اطمأن السلطان اردوغان إلى تفكك العرب وسيادة الفرقة بين دولهم التي معظمها مصطنع ومصنع.
..والى استقطابه الدعم الروسي بالحاجة إلى ارضه للنفاذ إلى اوروبا، اضافة إلى “التحالف القديم” مع الغرب بعنوان الولايات المتحدة الاميركية، لمحاصرة الاتحاد السوفياتي الذي اختفى ساحباً معه المعسكر الاشتراكي بل والشيوعية جميعاً إلى “الماضي” الذي لن يعود.

.. والى “اغتراب” مصر، وابتعادها عن ذاتها وعن اهلها نتيجة الصلح مع العدو الاسرائيلي، وإسقاط الحصار عليه، بمعاهدات كامب ديفيد.

..والى خفوت الثورة في فلسطين بعد انزلاق قيادتها، هي الأخرى إلى الصلح مع العدو الاسرائيلي.
..والى تفرق العرب ايدي سبأ: أغنياؤهم في النعيم وفقراؤهم في الجحيم، واميركا في كل مكان، ومعها اسرائيل التي اسقط “النظام العربي” صورة “العدو” عنها..

في ظل ذلك كله أمكن لأردوغان أن يباشر التصرف وكأنه، مع العرب تحديداً، السلطان الجديد، بينما هو في موقع التابع لسياسات الامبراطورية الاميركية، وفي موقع المناور الانتهازي مع القيصر الروسي بوتين الذي يعرف التاريخ جيداً ولكنه يتميز بذكاء المناور الداهية.

..وهكذا أمكنه توظيف اعداد من اللاجئين السوريين (وبينهم من كانوا في تنظيم القاعدة) إلى تركيا لإرسالهم إلى ليبيا البلا دولة ليقاتلوا (ويُقتلوا) فيها، طمعاً بالحصول على حصة من النفط الليبي الذي يكاد يكون الآن، وفي ظل تمزق جماهيرية القذافي، بلا صاحب…

وهذا قد يجعل “السلطان” في مواجهة أخرى مع اوروبا عموم، والروس ضمنا، ومصر حتما، وان كان قد حاول طمأنة تونس والجزائر بان “اطماع السلطان” لا تشملهما بغض النظر عن تصديقهما هذا الادعاء، او الصمت عن بالحرج.

لكن ذلك كله لم يشبع نهم اردوغان إلى وراثة السلطان بمد نفوذه إلى المحيط العربي المنقسم على نفسه، وافتراق الاغنياء بالنفط والغاز عن اخوتهم الفقراء.. وهكذا أفترض “السلطان” انه قد وجد، اخيراً الفرصة لاستعادة امجاد اسلافه سلاطين الامبراطورية العثمانية.

..وهكذا قفز اردوغان إلى قطر، مستغلاً عزلتها المفروضة عليها عربياً، ليحظى بجزء من قاعدة “العيديد” الكبرى، قرب الدوحة، بالشراكة مع الاساطيل الاميركية فيها كما في نهر الذهب في شبه الجزيرة التي يحاصرها جيرانها في الدول الخليجية بسبب الطموح المفتوح لدى اميرها المذهب من اجل لعب دور عربي واقليمي ودولي ولو بالثمن… ولقد استخدمه الاميركيون في ما ينفع مصالحهم، كما افادت منه ايران المحاصرة، والأهم أن الدول الكبرى بعنوان واشنطن وموسكو ولندن وباريس كانت تستثمر في طموحاته وغروره لتحقيق مصالحها، تاركة له أن يتحمل التكاليف سعيداً بهذا الدور الذي يتجاوز به حجم دولته.

هكذا يمن القول: “وافق شن طبق”، فشيخ قطر الذي يملك من الثروة اكثر مما يحتاج، خصوصاً مع تصاغر حجم بلاده، وهي شبه جزيرة في الخليج العربي، تواجهها عند الضفة الأخرى ايران التي تشاركها في استثمار الغاز، وتفيد من الحركة النشطة لأميرها لتلمس ما يُحاك لها في الخفاء، ولتبث عبرها “رسائل” إلى “الخصوم الكبار”، كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا، ولتتلقى كذلك الرسائل المشفرة من مختلف العواصم التي تقاطع ايران وتسعى للضغط بالحصار الاقتصادي.

شيخ قطر، الطموح، فتح بالذهب الطريق إلى العواصم الكبرى، وتطوع لان يكون وسيطاً (بالثمن) في مختلف الازمات الدولية، وبينها الحرب الاميركية على افغانستان المستمرة منذ العملية الهائلة التي استهدفت الابراج في نيويورك في 11 ايلول 2001، والتي كان ابطالها عربا (بينهم اكثر من شاب لبناني)، وهي قد هزت العالم اجمع لفرادتها، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ الابتكار في الوسائل للوصول إلى اهداف تبدو شديدة التحصين بحيث يفترض انها “آمنة” في كل عصر واوان.

كذلك فقد فتح هذا الشيخ الطموح وهائل الثراء الابواب للتوسط بين كل المختلفين في العالم، متابعاً ما باشره ابوه الشيخ حمد بن خليفة الذي نال السباق في الاعتراف بالعدو الاسرائيلي واقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل الزيارات مع اركان دولته.. وبعدما كان والده قد قدم قاعدة العيديد في الدوحة لسلاح الجو الأميركي، فقد تبرع تميم بن حمد بتقديم جزء منها إلى سلاح الجو التركي.. وها هو الآن يتوسط بين الولايات المتحدة وافغانستان لإنهاء حرب مفتوحة منذ تلك العملية غير المسبوقة التي استهدفت ابراج نيويورك في 11 ايلول 2001، ويستقبل الموفدين لهذه الغاية في العاصمة المذهبة ـ الدوحة.


تتمدد القوات التركية الآن، بأوامر من “السلطان اردوغان” في الشمال السوري.. وبرغم اجلائها عن حلب ومحيطها فإنها تتحصن في ادلب، حيث ترعى مخلفات عصابات الارهاب (القاعدة ومن معها)، وفي الشمال الشرقي حتى القامشلي مع محاولات للتقدم نحو دير الزور، حيث افاد الاميركيون من الفوضى المسلحة التي غيبت النظام عن تلك المناطق للتقدم إلى حيث آبار النفط والغاز شمال شرقي سوريا وباشرت الافادة منها.

عادت تركيا، هنا، حليفة للولايات المتحدة الاميركية، بينما هي تواجه القوات الروسية الرسمية حليفة النظام السوري في الشمال السوري (ادلب وجوارها..) موفرة للعدو الاسرائيلي الفرصة لمهاجمة بعض تائب الفدائيين الفلسطينيين (حماس والجهاد) الذين قدمت لهم سوريا بعض القواعد في ضواحي دمشق للتدريب، استعداداً للعودة إلى فلسطين بعنوان غزة لمواجهة العدو القومي في الارض المحتلة.

وحين احتدمت المعارك على جبهة ادلب، وتمكنت القوات السورية من تدمير قافلة من الدبابات والمصفحات التركية التي كانت تحاول منعها من التقدم، بادرت الادارة الاميركية إلى الاعلان عن استعدادها لتقديم المساعدة محاولة ضرب العلاقات بين انقره وموسكو، ولكن “السلطان” اردوغان رفض هذا الفخ”، مرجئاً القرار إلى ما بعد اللقاء بالقيصر الروسي بوتين في قمة ستجمعهما قريباً في مؤتمر دولي مقرر.


في زمن مضى، وقبيل انهيار “الامبراطورية العثمانية”، واجه السلطان عبد الحميد الضغوط الدولية التي اشتدت عليه لإعطاء “وعد” للحركة الصهيونية التي جاءها وفد منها برئاسة “هيرتزل” بإعطاء فلسطين لليهود بمقولة لا تنسى: اخشى أن يصيبني في فلسطين ما اصابني في لبنان..

.. وما اصابه في لبنان أن القوى الغربية قد فرضت عليه السماح بجعل لبنان متصرفية شبه مستقلة يحكمها “متصرف” تعينه الدول ويعتمده السلطان بشرط الا يكون مسلما، وهكذا توالى على المتصرفية عدد من المتصرفين كانت غالبيتهم من الامن… الذين كانوا يذوقون الامرين على ايدي السلطنة وقد هرب قسم كبير منهم إلى سوريا ولبنان حيث يستقرون حتى الآن..

والزمن دوار..

تنشر بالتزامن مع جريدة “الشروق” المصرية

Exit mobile version