طلال سلمان

الحروب السنية الشيعية.. متى تنتهي؟

بالأمس، اندلعت شرارة فتنة في إيران. عملية ارهابية ضد الحرس الثوري. تأييد من الامارات. تشجيع من السعودية، فرح في واشنطن، وصمت سني من المحيط إلى الخليج.

حرب جديدة تضاف إلى حروب مقيمة وحروب مزمنة. حروب تأسست يوم السقيفة، اندلعت زمن عثمان، استكملت يوم الطف في كربلاء، واستمرت زمن الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) حتى بلغت القرن العشرين، عندما شن السنة حرباً مديدة على نظام الثورة الخمينية في إيران.

تعيش المنطقة المنكوبة، مرحلة استكمال ما بدأه السنة والشيعة خلال تاريخهم الماضي، وواقعهم المعاصر، ومستقبلهم البائس. من يحاول إلباس هذا الصراع ثوباً غير مذهبي ـ ديني، يخطئ كثيراً. القضايا ثانوية. المهمات تأتي لاحقا… هناك صراع وجودي بين اسلامين، الاسلام الشيعي والاسلام السني، بفروعه المختلفة. تغليب القضايا على هذا الصراع يعمي البصيرة. فالقول بأن السنة اصحاب قضايا مناهضة لمصالح الامة، قول سياسي غير دقيق. صدف أن كفَّرت الخلافة العباسية في الحقبة السلجوقية، كل الباطنيين والاسماعيليين والعلويين والفاطميين. وحين بدأت الحروب الصليبية، وجد الفرنجة المنطقة منقسمة إلى محورين: محور فاطمي في مصر وما حولها، ومحور عباسي سلجوقي في بغداد وما حولها. السلجوقيون السنة رأوا أن العدو الذي يهدد الاسلام والخلافة الشرعية، هو الباطنية واتباعها الفاطميون، ثم تم توسيع دائرة الاعداء، فأضيف اليها الصليبيون. وقد اعتبر عصر ذاك، أن الفاطميين خونة وحلفاء الصليبيين وسببا في هزيمة المسلمين واحتلال القدس. وأرضهم ارض كفر.

الصورة الواقعية راهناً معكوسة. المحور الذي تقوده دول سنية أقرب إلى صفقة العصر التصفوية لفلسطين، من أي فريق مذهبي آخر، وعلاقات اكثريتهم مع “اسرائيل” باتت معلنة وتحظى بدعم وتأييد الولايات المتحدة الاميركية. معسكر “صفقة العصر” هو معسكر الدول السنية، فيما المعسكر الممانع، هو شيعي بدءاً بإيران وحلفائها الشيعة في المنطقة وانتهاءً بمشروع المقاومة الاسلامية ـ الشيعية في لبنان.

الخريطة واضحة ولا لبس فيها. إيران تخوض حرب وجود دفاعاً عن ثورتها، وتخوض معركة فلسطين حيث يتوفر لها ارضية شيعية، من اليمن إلى البحرين إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان. الاستثناء فلسطين فقط. برغم ما ارتكبته “حماس” عندما والت سلطة “الاخوان” في مصر، وموالاتها لكل من قطر المُطَبِعة الاولى مع “اسرائيل”، وتركيا الملتبسة في علاقات المد والجزر مع العدو الصهيوني.

الخريطة السنية أكثر وضوحاً. من المحيط إلى الخليج، بما فيها السودان، التي حاولت إيران دعمها لاستمالتها إلى “معسكر فلسطين”.

الصراع السني ـ الشيعي، متى ينتهي. لبنان اقام توازنا سياسياً بين السنة والشيعة. الصراع موجود شعبياً، ملجوم سياسياً، بعدما أفلت منذ سنوات. الشيعة مستهدفون من فلول المنظمات الفتاكة: “القاعدة” و”داعش” و”النصرة” ومشتقاتها. السنة في حالة هدنة مؤقتة، بانتظار ما سترسو عليه الحروب في سوريا. المعسكر السني في سوريا واضح جداً. ومعسكر النظام مدعوم من إيران والحشد و”حزب الله”، إلى جانب حليف لا ديني، هو الروس. العراق، صراع مفتوح وعلى حافة الدم. أما اليمن، فلا حول ولا قوة… حرب افناء تقريباً للحوثيين، بعدما تجرأ الحوثيون على مشروع أكبر منهم بكثير.

وكما في قديم الزمان، كذلك الأمر في كل آن. الصراع السني الشيعي مزمن. هو صراع سياسي أولاً، بمرجعية مذهبية. وما فرقته المذهبية لا يجمعه الاسلام. الاسلام التوحيدي التام نصاً وروحاً، هو اسلام تفتيتي عدمي الآن. لا أحد يربح في الحروب المذهبية والدينية. هل ربح اهل المذاهب في لبنان في حروبهم العبثية؟ هل ربح الحلف السني ضد إيران، بقيادة صدام حسين؟ هل ربحت المذاهب في العراق، هل كسبت في سوريا؟

لا.

عندما فقدت الامة قوميتها لسوء سياسة قادتها القوميين ولاستئثارهم بالسلطة واتباع نهج القمع والعنف والمخابرات، سقطت الامة بسهولة في أفخاخ المذهبية العاتية.

تاريخ السنة والشيعة منذ السقيفة وما بعدها حتى اللحظة هو تاريخ تنابذ وتكاره وتكفير متبادل ومعارك دموية منجائقية. غداً، لن يتغير شيء. الحروب المندلعة، تقوي الفريقين المذهبيين وتضعهما وجهاً لوجه، مدججين بالأحقاد التاريخية.

الاستثناء، ليس قاعدة. هناك سنة خارج هذا الاصطفاف اللعين، وهناك شيعة كذلك. الا أن هذا من نافل القول. لا يلغي قاعدة الصراع المذهبي.

إلى متى؟

عمر الصراع هذا، أكثر من 1300 سنة هجرية؟

وعمر الصراع غداً؟ من يتجرأ على تحديد موعد النهاء لهذه الحروب المتناسلة؟

غودو وحده يعرف، وهو لن يأتي ليُعلِمنا بالنهاية.

 

Exit mobile version