طلال سلمان

الحرب على اليمن تضرب السعودية أولاً

لمدة مائة عام أو يزيد، ظل ما يعرفه المواطن العربي عن النفط من الأسرار الحربية المحرم كشفها.. حتى في الأقطار التي تعيش منه وعليه،

كان يقال عنه: انه “مادة سريعة الاشتعال” تنفع في التدفئة وفي تسيير المركبات الخاصة والعامة (سيارات، ناقلات بشر أو بضائع الخ..)

ثم.. كان أن التقى الرئيس الأميركي روزفلت مع الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في “البحيرات المرة” في قناة السويس بمصر، لتبدأ بالظهور أولى الإعلانات عن الحجم الخرافي لهذه الثروة التي تختزنها رمال شبه الجزيرة العربية وشواطئها، والتي سيقدر لها أن تقرر مستقبل هذه الأمة، وبالسلب غالباً، وبالفائدة أحياناً، ذلك لأنها أقوى من “مالكيها” الذين لا بد لهم من تأمينها وتأمين غدهم، عن طريق قوة قادرة، بل قاهرة، تستثمر هذه الكنوز المخفية.. وتدفع لأصحاب الأرض ـ الثروة ما يقوم بأودهم..

لم يكن في المملكة التي استولدها السيف بالتواطؤ مع الأجنبي إلا قلة من حفظة القرآن الكريم، بالنبرة النجدية.. وعلى هذا فقد بدأ استيراد “الخبراء” في اللغة كما في المال والعلوم كافة من أقطار المشرق: سوريا أساساً ومعها العراق ولبنان وفلسطين بطبيعة الحال، فضلاً عن مصر الملكية.

ما بين الحربين العالميتين بدأت شركة تابلاين في استخراج النفط. لكن الطفرة المذهبة ستتأخر إلى الخمسينات والستينات حيث سيغدو النفط، بمشتقاته المختلطة، بين المصادر الأهم للتقدم الانساني، جواً وبراً وبحراً.

وكان ملفتاً أن تصدر شركة تابلاين التي كانت تحتكر استكشاف واستخراج النفط وبناء المصافي وتصديره مجلة “ثقافية” كتب لها وفيها العشرات من الأدباء والشعراء، ونجحت في تمويه صورة الشركة الاحتكارية إلى حد ما.

ولعل أول مرة أطل فيها النفط العربي على السياسة العربية كانت بعد قيام “الجمهورية العربية المتحدة” من خلال اندماج سوريا ومصر في دولة واحدة “تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تشد إزر الصديق وترد كيد العدو..”. وعملياً، فان هذه الإطلالة كانت تعني الاعتراض على المشروع الوحدوي والعمل لضربه واغتيال الحلم السني.

يومها كشفت مؤامرة الملك سعود بن عبد العزيز لاغتيال جمال عبد الناصر خلال وجوده في دمشق للاحتفال بقيام دولة الوحدة، وذلك عبر دفع مليون دولار “لإقناع” عبد الحميد السراج بتنفيذ هذه المؤامرة..

ولسوف تجتهد السعودية في تجميع من تيسر من حكام العرب، بالرشوة، لمواجهة جمال عبد الناصر وأي جهد يبذل من أجل قيام وحدة عربية بين أي دولتين.

.. وسيلعب النفط دوراً قذراً ضد مشروع التحرر والتقدم بالوحدة، في سوريا، وفي لبنان بطبيعة الحال، ثم في اليمن بعد تفجر الثورة فيها في أيلول 1962 واستنجادها بجمال عبد الناصر لينصر الثوار، بقيادة العقيد عبد الله السلال، على جماعة الإمام أحمد ثم نجله بدر ومن خلفهما الدعم السعودي المفتوح لإغتيال “الجمهورية” في اليمن لحظة ولادتها.

.. وستكون حرب اليمن التي انهكت جمال عبد الناصر والجيش المصري بين الأسباب المباشرة لنكسة الخامس من حزيران 1967، ثم ما تلاها من تراجعات، قبل استعادة زمام المبادرة والعودة إلى ميدان المواجهة مع العدو الاسرائيلي عبر حرب الاستنزاف.. التي ستكون التمهيد بالنار لحرب رمضان (تشرين الأول 1973) بمشاركة سوريا، واجتياز قناة السويس، قبل أن تكتشف مناورة هجوم التسوية والتخلي عن الشريك السوري، والذهاب إلى كيان الاحتلال “لمخاطبة الرأي العام الاسرائيلي” عبر الكنيست في دعوة مباشرة إلى السلام.. بشروطه!


مع الأسف، لا يمكن ذكر السعودية إلا مع النكسات والهزائم العربية والتراجعات امام العدو الاسرائيلي وخيانة فلسطين تحت الراية الأميركية.

آخر انجازات السعودية: شن هذه الحرب المفتوحة على اليمن.. وهي حرب ظالمة، بل هي جريمة ضد الانسانية، تجرب فيها السعودية ـ ودولة الإمارات(!) أحدث الأسلحة واعظمها فتكاً ضد شعب اليمن، شمالاً وجنوباً..

واذا ما كانت أطماع السعودية في اليمن معلنة ومعروفة فان العالم بأسره لا يعرف سبباً لهذه الحرب التي تشنها دولة الامارات فتحتل جنوب اليمن بعاصمته عدن وجزيرة سومطرة.

انها لعنة النفط!. تقول العجائز!

انها شهوة الاستعمار وتوسيع مناطق النفوذ بالذهب، أسود وأبيض.

انها نزعة الاستقواء بالثروة والمرتزقة على “الأخوة الفقراء” الذين لا يجدون ما يؤمنهم ضد الجوع والطاعون والملاريا وشلل الأطفال.

ومع تحطيم مبدأ رفض العنف وتدمير المنشآت ووسائل الانتاج، فان حكام السعودية والامارات قد تجاوزوا القيم والمبادئ الانسانية جميعاً فضلاً عن وشائج القربى وروابط الأخوة، وهم يحاربون شعب اليمن، الفقير والمقاتل، “الصنايعي” و”الودود” والذي قضت اجيال من أبنائه في خدمة أشقائه الأغنياء من أصحاب الثروات الهائلة.

.. واذا كانت الأعمال بخواتيمها فان هذا الانتقام اليمني المتأخر من اضطهاد “الأخوة الأغنياء” سيوسع أبواب المنطقة أمام الهيمنة الأميركية، والاسرائيلية ضمناً، وسيقدم ذريعة جديدة لهؤلاء الذين جاءتهم الثروات الخرافية بلا تعب أو جهد، لكي يحاولوا تدمير بلاد الحضارة الأولى في تاريخ الجزيرة العربية وإبادة شعبها الذي فتح الأندلس بعمامة أحد مقاتليه مع طارق بن زياد.

.. وبالطبع فلن نقبل ما يردده الشامتون من ان النفط الذي طالما أحرق الفقراء في اليمن وغيرها، كسوريا، ولبنان من قبل، يرتد الآن على من استخدمه ضد الآخرين.. من الأهل الأقربين!

Exit mobile version