طلال سلمان

الحراك والمقاومة إثنان أم واحدان؟

كتب نصري الصايغ:

لا وقت لديَّ لغير الحراك. خذوا أمسي كله. غدي هو الطريق. متعب أن نستعيد الخراب. لبنان الماضي ملوَّث ولا أمل وهو في ذروة البشاعة. تأملوه جيداً. ينتسب البلد إلى الذي لا شفاء له. أهله ضحاياه وسادته حثالة من قتلة الاحلام والآمال والعافية. بلد ملوث ويزداد. شعب طيب ومنهك ويزداد. قادة قوَّادة. آثامهم ملء اياديهم. يفترشون السلطة بقذاراتهم وأخلاقهم اللائقة بنعالٍ ملوثة.

خذوا هذا اللا وطن عنا. تعبنا. قُرِفنا. مَرِضنا. أدنفنا. لا رجاء فيه ولا أمل. لا ننشغل فيه. لا وقت لدينا، نحن الطفار الكثار، لغير الحراك. انما، لدينا كل الوقت القادم، لحتف هذا الماضي إلى العبرة والنسيان.

اربعون يوماً حتى الآن. لا يزال الوقت في بداياته. لبنان الجديد، شعبه الجدي مصر على جمهورية جديدة. غير جائز أن نطلق تسمية لبنان الثالث او الجمهورية الثالثة على لبنان الآتي، غداً أو بعد غد او ما بعد بعد غد. الشعب يريد جمهورية جديدة، لا تتصل بمئة عام من اللا دولة، بمئة عام من الجرائم الطائفية، او، من طائفية مؤهلة لارتكاب الأفظع من الجرائم. طائفية، تنجب سفاحاً، قادة ينتمون إلى كل موبقات الأرض، ولا ينتمون إلى لبنان. الشعب يريد دولة على صورته. وصورة الشعب ملونة ومتطلعة وحاسمة وقادرة وصابرة حتى النفس الأخير.

اربعون يوماً، وقراصنة الدولة مختبئون في جحورهم، لا يجرأون على السير بأقدامهم، او ركوب سياراتهم، او … كي لا يتعرضوا لاحتقار بليغ، من قبل شعب ولد في الساحات والطرقات. من اعالي الجبال إلى رمال الشواطئ، شمالاً وجنوباً… اربعون يوماً في العراء الممتلئ حياة ونبضاً وتطلعاً وايماناً، بأن لبنانهم مضاد للبنانيهم بالكامل. الطغمة حائرة. لأول مرة تتحد برغم عداواتها. تتمسك بأسنانها ما تبقى له من سلطة موروثة ومغتصبة. ما يجمعهم معاً. عداوات مستحكمة، لاختلاف الولاءات والحصص والمحاور.

لا وقت لدينا لنفكر فيهم او عنهم. تلقوا الصفعة الأولى، فسقطت الحكومة. شيء كبير انكسر. الشعب مصدر الثقة. هو الأقوى، من دون عصا او سلاح. الأقوى بنقائه وصدوره وجباهه.. ثم تلقوا الصفعة الثانية: اصابوا أركان الركام الحكومي بالعجز. لا اتفاق على رئيس يرث نفسه بشروطه. عجز عن تحديد موعد لاستشارات منسوخة عن استشارات تشبه تمثيلية لا يحضرها الا الممثلون. الناس خارج السرداب. هم في المدى اللبناني الطلق، في الهواء الجديد الذي تتذوقه انفاسهم … الحراك منع المجلس النيابي المدجَّن من الانعقاد. تذوقت القيادات مرارة عدم اطاعة

الأوامر. هناك من ينتصب في الساحات ويقول لا. لا، هي فعل امر ونهي، ولها الحق في المنع… الحراك استعاد روح الديموقراطية. فاز في استعادة المحامين إلى نقابة تمت بقرابة للناس، وليس لدهاليز الصفقات المضادة للشعب وقضاياه… الحراك، فرض ايقاعه على الجميع، فهو موجود دائماً، وفي كل مكان، وله رأي في كل ما يجري وما لا يجري في البلد.

هذا ليس مديحاً في الحراك. انه لا يحتاج إلى الاشادة به. لكن حمايته واجبة، من صيادي الاحزاب المكرَّسة في السلطة، ومن اتباع يخترعون التهم السياسية البذيئة. لعل اكثرها بذاءة، هي في إلصاق المؤامرة بالحراك. المؤامرة موجودة فقط، في رؤوس السلطات الدكتاتورية والفاشية والطائفية. الحراك انقى من عين الديك. ولكنه قد يتعرض لجماعات تندس في صفوفه. ثبت حتى الآن، أن المندسين قلة، وان الحراك متعال جداً، وقادر على لفظ الحثالات المدسوسة… اتهم الحراك بأنه مموَّل. عيب. الذين يعيشون، من الزعماء والاحزاب السلطوية، على من يرضعهم المال والنفوذ من السفارات، هم في السلطة. السعودية وقطر واميركا والامارات لم تبخل على من يمد يده اليها. إيران تفردت بتغذية “حزب الله” والمقاومة.

من في الحراك مموَّل؟ دلونا عليه. سموه. برهنوا، والا فان الاتهام هو شتيمة وحسب.

اربعون يوماً. والأيام مفتوحة امام الحراك. اغرب وأتفه ما يوصف به الحراك، انه سبب الانهيار والافلاس. ولو!!! هل أهل الحراك نهبوا الدولة. الاموال المنهوبة موجودة في حسابات زعامات السلطة واتباعهم وشركائهم. وقاحة، ولولا التهذيب المفروض عليَّ، لاطلقت سيلا من الشتائم السفيهة. عيب. جبن. نذالة. وطاوة الخ. (قف هنا قبل أن تنزلق إلى الشتائم). الحراك مسؤول عن النفايات؟ عن انعدام الكهرباء؟ عن زيادة نسبة الاصابة بالسرطان؟ عن التلوث، براً وبحراً وهواء؟ عن الجامعة اللبنانية؟ عن الديون؟ عن الهدر؟ عن التهرب الضريبي؟ عن اغتصاب الاملاك البحرية، عن… (يا اولاد….) هل هذا الافلاس من صنع الحراك؟

بعد اربعين يوما، ستبقى الروزنامة مفتوحة. انما، لا بد من ابتداع وسائل ضغط قاسية ومؤلمة… لا تعوِّلوا على ما تقوله السلطة من اتهامات بالعمالة والارتباط بالخارج. انظروا إليهم واحداً واحداً. انهم بانتظار النصائح الاميركية والفرنسية والاوروبية لفك عقدة شكل الحكومة، وليس برنامجها. انهم يصغون جيداً للخارج. آذانهم معتادة على سماع النصائح ـ الأوامر.

أما بعد… الحرب على المقاومة مزمنة ومجرمة. مصادرها معروفة وادواتها معلنة، واقامتها محفوظة داخل السلطة. الحراك يحتضن من هم مع المقاومة قولاً وفعلاً وانتماء ودفاعاً عنها. وهناك من هم ضد المقاومة من زمان. التقاؤهم في الساحات، هو لحجم الانتهاك السلطوي لحقوق الناس. وليس من حق المقاومة ان تخشى هذا الحراك، ولكن من حقها وواجبها أن تسهر على مؤامرات من هم في السلطة، اركاناً وقيادات واحزابا… مشكلة المقاومة هناك. حيث هي الآن.

لذا، هذا الحراك، همه أن يكون مقاومة فعلية لسلطة ساقطة اخلاقياً وسياسياً واجتماعياً ووطنياً وقومياً وفلسطينياً.

ماذا بعد؟

لا شيء سوى انه ليس لدينا وقت الآن لغير الحراك.

ماذا ايضاً؟

اننا في مقاومة حاسمة لتحرير لبنان من ممثلي دولته ونظامه وانسانه. تماماً كما كنا في مقاومة حاسمة لتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي .

اذا: الحراك والمقاومة اثنان او واحدان منفصلان ومختلفان؟

نأمل أن نصير واحداً فقط.

Exit mobile version