طلال سلمان

الجزرة الأميركية .. والمثل اليوغوسلافي!

 

التوقيت فضاح،

فعلى دوي الغارات الجوية المدمرة، والمتواصلة على مدار الساعة، والتي تكاد تمسح أسباب الحياة ومعالم الدولة في يوغوسلافيا،

.. وبينما الحلف الأطلسي بقيادته الأميركية المفردة، الآن، يعلن  ومن طرف واحد  ضم »الشرق الأوسط« بل الحاقه بمسرح عملياته العسكرية، بنبرة ناضحة بالتهديد والوعيد بالعصا ليس فقط لمن عصا بل أيضاً لمن يفكر بالعصيان (والنموذج اليوغوسلافي غارق في الدم والخراب وافتقاد القدرة على تصور غده)..

في هذه اللحظة بالذات، وبافتراض ان من لم يمت قد شاهد بالصورة التي تحتل الشاشات جميعاً، من يموت فلا يخرج لتشييعه أحد، ولا يجرؤ على حمل نعشه أحد، ويلجم الخوف ألسنة الدول جميعاً، كبراها وصغراها،

.. في هذه اللحظة بالذات تفتح واشنطن باب الحوار، ولو موارباً، مع ثلاث من الدول التي كانت قد فرضت عليها عقوباتها الاقتصادية، كسلاح فعال، وهي  للمصادفة  دولتان عربيتان، ليبيا والسودان، ودولة إسلامية هي ايران.

لا بد من »الجزرة« الآن..

طبعاً، هذا لا يعني ان واشنطن قد رفعت أو سمحت برفع هذه الدول عن »قائمتها السوداء«، أي تلك التي تتهم فيها الإدارة الأميركية من تشاء برعاية الارهاب، بمعنى ان الحصار السياسي ما زال مفروضاً وما زال ضاغطا، لعله ينفع في اجبار هذه الدول على تقديم المزيد من التنازلات،

بقدر ما ينجح فتح الباب الاقتصادي في استدراج التنازلات السياسية، بفعل التوقيت الدقيق وملابساته الفاضحة للهدف المتوقع تحقيقه منه، أي احداث تغييرات جذرية في توجهات »الخصم« السياسية، بما يلغيه كنموذج أو كقدرة أو كرمز للمتمردين والطامحين إلى تأكيد استقلالهم وسيطرتهم على مواردهم الاقتصادية، يمكن فتح الباب »لحوار« سياسي لا يعود له من موضوع إلا اعلان التوبة والعودة إلى بيت الطاعة الأميركي.

صحيح ان لا ايران ولا ليبيا ولا السودان قد أظهرت مثل هذا الاستعداد للتنصل من تجربة التمرد على الهيمنة الأميركية، وطلب الغفران، ولكن سياسة الاحتواء السياسي برفع العقوبات الاقتصادية، مترافقة ومتزامنة مع ارتجاج أوروبا كلها بذلك الزلزال الناري الذي يكاد يدمر قلبها، ومع التلويح بتوسيع مسرح العمليات  أي هذا الزلزال  ليشمل »الشرق الأوسط« تمثل »جزرة« أو عرضاً لهذه الدول أو بعضها بتقديم طلب انتساب إلى النادي الأميركي.

من الطبيعي ان تكون لهذه الدول الثلاث، كما لكل دول الأرض، الرغبة في الخلاص من العقوبات الأميركية، والوصول إلى علاقات عادية مع واشنطن، حسب الاصول، أي علاقات على قاعدة حد مقبول من احترام الارادة الوطنية ومن العمل بمنطق المصالح المشتركة.

ووفقاً لمنطق العقيد معمر القذافي، كما نقله عنه الدبلوماسي الأميركي السابق والكاتب في مجلة »فورينت افيرز«، قبل شهر تقريباً فان واشنطن هي التي كانت تفرض »الحرب«: »لم نقم في أي يوم بأي هجوم ضد أي هدف أميركي، بل ان أميركا هي التي اعتدت علينا في خليج سرت، وعندما دافعنا عن أنفسنا شنت الهجمات علينا وقصفتنا بالصواريخ. وفي العام 1986 قتلت صواريخها بعض أطفالنا.

»انها الامبريالية. ويبدو اننا نلج عهداً امبريالياً جديداً.

 

»ان المنطق الأميركي يقوم على ان من يملك الصواريخ والغواصات والطائرات المطاردة والقاذفة يحق له ان يقصف من يشاء، أما الذين يستخدمون المتفجرات أو القنابل الصغيرة فهم ارهابيون.

»نحن لا مصلحة لنا أبداً في عداء أميركا. ومن الحماقة ان نبادر بأي مواجهة مع أميركا، ولكنك عندما تكون ضحية اعتداء فعليك ان تدافع عن نفسك، مهما صغر حجمك. نحن نريد المصالحة مع أميركا، لكن أميركا لا تريد الصلح معنا«.

هل يشكل القرار الأميركي برفع العقوبات الاقتصادية، في ظل »الارهاب الجوي« الذي يزلزل الأرض في »الشرق الأوسط« انطلاقاً من يوغوسلافيا، دعوة إلى »الصلح« وفق الشروط الأميركية التي تدوي معلنة طبيعته؟!

الجواب ببساطة: ان المصالح الأميركية هي التي أملت على البيت الأبيض فتح الباب وهو قد اختار التوقيت المناسب

لكن »الصلح« ما زال بعيداً، ولعل تلويح واشنطن بجزرة رفع العقوبات يستهدف ان تأخذ من هذه الدول ما لم تستطع ان تناله قبل تدمير يوغوسلافيا، وقبل »ضم« الشرق الأوسط إلى منطقة عمليات الحلف الأطلسي، بكل ما يشكله هذا القرار من ارهاب مباشر أين منه ارهاب الهواة الصغار.

والتجربة الايرانية، وكذلك الليبية والسودانية، أغنى من ان تبرر أي سقوط، مهما كان اغراء الجزرة الأميركية.]]

Exit mobile version