طلال سلمان

الجدل بين الإسرائيليين وصفقة التبادل

غزة ـ حلمي موسى

وفي اليوم الرابع والسبعين، يتجدد الأمل باقتراب الفرج وتحقيق النصر. ويتصاعد الجدل في الكيان الصهيوني في اتجاهات مختلفة، وسط العجز عن حسم الحرب على غزّة، بالإضافة إلى انطلاق جولة جديدة للاتفاق على عملية جديدة لتبادل الأسرى، وسط تعقيدات جمّة.

وقبل يومين، بدا الجدل جليا داخل الكيان، خلال اجتماع الكابينت الموسّع مع قادة الجيش. وقد تركز الجدال بين الوزراء وبين رئيس الاركان حول الخطط الحربية ومدّة الحرب الطويلة، والعجز حتى الآن عن حسمها. وشمل اللقاء حديث عن عجز الجيش، حتى الآن، عن القضاء على قيادة “حماس” في غزة، خصوصا يحيى السنوار ومحمد الضيف.

وجاء ردّ رئيس الأركان صاعقا بالنسبة للحاضرين إذ قال لهم أن حربا من هذا النوع تتطلب وقتا طويلا، وأن حرب الولايات المتحدة على “القاعدة” استغرقت عشر سنوات للوصول إلى بن لادن.

وأدّى ذلك الكلام إلى ردود فعل صاخبة، والإشارة إلى أنّ اسرائيل لا يسعها خوض حرب بمثل تلك المدّة.

واشار بعض الحاضرين إلى أنّ حرب أكتوبر 1973 شهدت تحوّلا بعد 19 يوما، ولكن في الحرب الحالية، لم يشعر أحد بعد بتحقيق أيّ انجازات حقيقية، حتى بعد مرور أكثر من ٧٠ يوما على بدايتها.

والجدل في الكيان لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يتخطّاه الى ما يسمى بـ “اليوم التالي”، أي ما ينبغي على إسرائيل فعله بعد انتهاء الحرب.

ويرى جزء من الإسرائيليين أن الوضع الدولي لا يسمح لاسرائيل باحتلال القطاع، ولذلك ينبغي التفكير في من سيحكم القطاع بعد الحرب. ويختلف هؤلاء في ما بينهم حول ما يسمى بـ “النظام الجديد” كما يقول نتنياهو، أو حل الدولتين كما يعتقد بيني غانتس مثلا. ويفضّل كلّ من غانتس وغالانت وقيادة الجيش، في ظل الواقع الدولي الراهن، حل الدولتين، خصوصا إذا كانت الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وهو ما يرفضه نتنياهو الذي يرفض فكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.

لكن نتنياهو ليس وحيدا في رفض الدولة الفلسطينية، فإلى جانبه هناك اليمين المتطرف الذي لا ينحصر في حزبي سموتريتش وبن جفير، وإنّما يصل إلى مواقع نفوذ في “الليكود” نفسه، وفي حزب “يوجد مستقبل”، بل وحتى في حزب غانتس ممثلا بكتلة جدعون ساعر المسماة “أمل جديد”، وهي في الأساس منشقة عن الليكود. وطبعا، هناك إلى جانب هؤلاء هناك الاحزاب الدينية، وخصوصا حزب “شاس”.

ويطالب اليمينيون منذ الآن بأمور مختلفة، من بينها طرد الفلسطينيين من مناطق واسعة في القطاع، والعودة للإستيطان في غوش قطيف، واقتطاع أجزاء من أرض القطاع وضمها رسميا لاسرائيل.

وطبعا، يبني اليمين موقفه على أساس اقتراب تحقيق نصر حاسم يسمح بتحقيق ذلك. وفي المقابل، يستغرب كثيرون في إسرائيل عجز الجيش عن حسم المعركة حتى الآن، وهم باتوا يتحدثون عن فشل أكبر بكثير مما كانوا يظنون. تفتحت أعين اسرائيل: لقد أفلحت “حماس”، في سنوات حكم نتنياهو، وفي ظل تجميد وإماتة العملية السياسية، في بناء جيش قوي وبنية تحتية مقاومة مذهلة قادرة على تكبيد الاحتلال خسائر فادحة.

ويمكن القول أن تحقيق الكثير من هذه التطلعات وغيرها لدى الطرفين، يعتمد بشكل أساسي على نتائج الحرب وطبيعة الوضع الدولي والإقليمي الذي سينجم عنها.

مفاوضات من أجل صفقة تبادل

تزايد الحديث في الأيام الأخيرة عن العمل على إبرام صفقة تبادل للأسرى. وسبق أن تناولت هذا الأمر قبل أيام، وملخّصه أن قيام الجيش الاسرائيلي بقتل ثلاثة محتجزين أو أسرى إسرائيليين في غزة، في ظروف بائسة، وضع حكومة نتنياهو وجيشها أمام وضع بالغ الصعوبة.

فقد تم قتل أسرى يرفعون الراية البيضاء ونزعوا عن أنفسهم ملابسهم العلوية ليثبتوا انهم مسالمون ومستسلمون، ولكن بالرغم من ذلك كلّه، قام الجيش بقتلهم.

وجاءت عملية القتل هذه لتنهي النقاش حول الأولويات في هذه الحرب: هل هي للإفراج عن الأسرى أمّ لتدمير “حماس” سلطويا وعسكريا؟

وكان سلوك حكومة نتنياهو وجيشها يدلّ على أن الأولوية هي لتحطيم حماس وأن تحرير الأسرى هو أمر ثانوي. وهكذا، ذهبوا الى الهدنة لمدّة سبعة أيام، يضغوط أميركية وضغط من أهالي المحتجزين.

ولكن الحال تغير بعد قتل الأسرى الثلاثة إذ اضطرت حكومة نتنياهو لمجاراة الرأي القائل بأن محاربة حماس يمكن أن تتأجل أسبوعا وشهرا وشهرين، ولكن الإفراج عن الأسرى وهم أحياء هو أمر ضروري.

ولذلك، تحوّلت حكومة نتنياهو من طرف ينتظر اقتراحات ويواجهها بمواقف سلبية، الى جهة مبادرة تسعى لرمي الكرة في ملعب حماس. وهكذا، أعلن كل من الرئيس الإسرائيلي والسفير الاسرائيلي لدى واشنطن بالإضافة إلى العديد من المسؤولين في الكيان، عن استعدادهم لهدنة أو حتى لوقف لاطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى.

وأُرسل رئيس الموساد والمسؤول عن ملف الأسرى في وزارة الحرب الى أوروبا للاجتماع مرتين برئيس الحكومة القطرية وبرئيس المخابرات المركزية حاملين العرض الإسرائيلي الجديد.

وعلى الرغم من أن تفاصيل العرض الإسرائيلي مازالت غير معلنة رسميا حتّى الآن، إلّا انّ ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية يقوم على التالي: تحت عنوان تقديم عرض مغر لحماس أساسه الاستعداد للإفراج عن اسرى “نوعيين”.

وقد فهم الجميع أن ذلك يعني الإفراج عن قيادات في الأسر محكومة بأحكام عالية، والمصنفين بأن “أياديهم ملطخة بدماء الإسرائيليين”. وثانيا، فُهم أنّ إسرائيل مستعدة لتقديم مبادرات بشان الهدنة ووقف النار لفترات أطول من السابق.

ولكن إسرائيل تشترط مقابل “تساهلها” هذا خطوات معيارية عدّة. أولّها الإفراج عن كل المجندات، أي النساء العسكريات الأسيرات لدى حماس كخيار أول، وبعد ذلك يأتي خيار الرجال من كبار السن، ومن ثم الرجال المصابون بامراض مزمنة.

وذلك كلّه من أجل الإفراج حاليا عن أسرى فلسطينيين وهدنة لفترة محدودة قد تمتد أسبوعا أو أسبوعين. وبعدها، إمّا يتجدد القتال، أو يتم تمديد الهدنة مقابل الافراج عن باقي الجنود الأسرى لدى المقاومة.

وبعد تقديم هذا العرض الإسرائيلي، تطالب حكومة نتنياهو الولايات المتّحدة بالضغط على كل من مصر وقطر والسعودية والامارات لممارسة الضغط على حماس للقبول بالعرض. وهي تحاول الإيحاء للرأي العام الإسرائيلي بأنها تنازلت وقدمت الإفراج عن أسراها على هدف تحطيم حماس، وانها بانتظار رد حماس التي باتت الكرة في ملعبها.

وحتى الان على الأقل، ترفض حماس، وفق تصريحات مسؤوليها، المنطق الاسرائيلي من أساسه. وهي تصرّ على أن ملف الأسرى بمجمله بات ضمن ملف انهاء الحرب. كما أعلنت حماس أنّها لن تبحث في موضوع الأسرى تحت النار وان ذلك لن يتم من دون وقف تام لإطلاق النار.

وبحسب معلومات سابقة، فإن حماس كانت قد اشترطت أيضا انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقع محدّدة، قبل الإتفاق على أي صفقة تبادل جديدة.

وطبعا هناك تعقيدات كبيرة جدا أمام الاتفاق على تبادل للأسرى، وصولا للاتفاق على إنهاء الحرب. فالحديث هذه المرّة ليس كما كان عن نساء وأطفال وإنما عن مقاتلين. وهذا أمر يصعب تحقيقه لدى الإفراج عنهم، سواء في الضفة أو القطاع.

ولذلك، ثمة قناعة قي إسرائيل ولدى الفلسطينيين بأنّ الاتصالات من أجل عملية التبادل الجارية حاليا لن تصل الى نتيجة واضحة قبل التوصل الى صيغ لوقف النار. ويزور رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية القاهرة في إطار الاتصالات لابرام صفقة تبادل.

Exit mobile version