طلال سلمان

الثقة نقداً وبالدولار..

نشرت في “السفير” في 22-5-1992

كل شيء في لبنان ـ التاجر قابل للبيع والشراء،

من قبل أن يبتدع اليهود الأميركان شعار “ادفع واحمل” كان الحفيد الفينيقي يطبق شعار “هات وخذ”، في السياسة كما في التجارة كما في سائر المجالات الحيوية.

في العهود “الغابرة” كانت قاعدة البيع والشراء قابلة للتطبيق على المقاعد النيابية والوزارية والوظائف الحكومية وصولاً إلى الدركي والمتطوع لحماية حدود البلاد وعلمها، إضافة إلى الحرس الجمركي وحرس المطار ومأموري الأحراج.

أما في عهد الطائف فقد صارت للطوائف والمذاهب مرجعيات سياسية بعضها بثياب الميليشيا وبعضها الآخر بثياب رجال الدولة، وصارت لهذه المرجعيات صناديق وشركات قابضة “هولدنغ” ومجالس إدارات و”مصارف” تابعة أو “شقيقة” في الداخل أو ما وراء البحار.

الجديد إن الثقة بالحكومة أنزلت هي الأخرى إلى السوق، ولو في مرتبة السلعة الاستراتيجية.

ولقد تم تحوير شعار يهودي قديم فصارت صياغته كالتالي: ادفع دولاراً تسقط حكومة!

… وها نحن نشهد الرد “الوطني” على هذا الشعار عبر الممارسة العملية!

فإذا كان دولار الخصم، الوافد أو الطارئ، قادراً على إسقاط الحكومة “الكرامية” فإن الدولار “المقيم” قادر على تثبيت الحكومة الصلحية.

دفعوا فانزلوا قيمة الليرة، وقيمة الحكومة، وملأوا الطرقات بالحرائق الصغيرة، وملأوا الأيدي بالعصي (التي تبين إنها أعدت في “المنشرة” ذاتها وبالمقاس نفسه)… وهكذا احترقت الثقة في ما احترق من إطارات السيارات القديمة،

أما اليوم فيستخدمون الدفع لتحقيق نتيجة معاكسة تماماً:

إنهم يدفعون لكي يؤمنوا للحكومة الثقة… ثمة “الشعب”، وثقة نوابه “المعين” منهم و”الممدد له”.

ولقد أثيرت زوابع من الاتهامات حول امتناع مصرف لبنان عن التدخل في السوق النقدي لوقف الانهيار المريع في سعر الليرة، قبل أسابيع، واعتبر بيانه الشهير بمثابة “رصاصة الرحمة” على حكومة عمر كرامي،

أما اليوم فثمة لغط حول عودة مصرف لبنان إلى السوق، وإن بشيء من الخفر، لتأمين خفض سعر الدولار ورفع قيمة الحكومة في عيون شعبها الفقير،

وليس مهماً التساؤل عمن “يشفط” اليوم ما يدفعه الشعب الفقير إياه من احتياطيه الضئيل (عبر مصرف لبنان) لتدعيم الحكومة التي ولدت مصدعة، فمن لم يسأل عن مئات ملايين الدولارات التي هدرت من قبل لن “يغص” بحفنة قليلة تدفع هذه الأيام لتأمين الصحة والسلامة لحكومة المصالحة الوطنية!

الثقة نقداً، وبالدولار!

والـ”لا ثقة” نقداً وبالدولار،

على أن الثقة أرخص تكاليف من اللاثقة،

فبائع الثقة أكرم من شاريها بكثير.

ويمكن أن تضيف إلى الأسئلة المعطرة التي تختزنها ذاكرتك المجهدة: بكم فتحت الثقة بالحكومة اليوم، وبكم أقفلت؟!

Exit mobile version