طلال سلمان

الاستقلال عن لبنان

لماذا كل هذا العويل؟ ما نفع البكاء على الأطلال؟ هل كُتِبَ لنا، بأيدينا وبلغتنا، أن نمتهن اليأس؟ من كان منا بلا خطيئة؟ الم يحن بعد وقت الاستسلام؟ متى نقتنع بأن “هذا هو لبنان”؟ كفى. تعبنا من تكرار الحكاية. لننصرف إلى معاقرة المأساة بلا مبالاة. نحن هكذا. لا أمل ابداً. لنجترح طريقة أخرى للعيش. في لبنان. اقترح أن نعيش كغرباء، او كضيوف مهذبين، أو كسواح، او كأيتام، بلا أم ولا أب ولا وطن، اقترح أن نكف عن التفكير بالسياسة والسياسيين. هذا، يجب الا يكون من اختصاصنا، كوننا غرباء. وما اقترحه ليس خيانة. حتى المسيح يئس من اورشليم. قال: “هو ذا بيتكم أتركه خراباً”. لبنان. خراب مزمن ومستدام.

لا يعوَّل على أحد ابداً. أكَّس على رجال السياسة ونسائها. أكَّس على الاحزاب والاعلام والجامعات. لا يجوز ضرب الميت ابداً. لبنان هذا غير قابل للإصلاح والتغيير. ماضيه سيء، حاضره كارثي، مستقبله “الله يستر”.

الأمر اليومي عسكرياً إلى الامام سر. ولكن لا امام امامنا. هناك إلى الوراء در. حتى هذا، ليس ميسوراً. مسموح أن نترحم على ماضٍ سيء. المطلوب محاربة التفاؤل السياسي. الحكومة، آخر همنا. السلطة، بكل تجلياتها، متهمة ومدانة ومحقرة. أهلها وجماهيرها قطعان بقرون معلنة. فعل زنى هي.

هذا عرفناه. السؤال، كيف نعيش فقط؟ حتى هذا السؤال ممنوع. العيش الحاف، بلا تعاطٍ بالسياسة، ممنوع. ارض لبنان ملوثة، وسماؤه مسمومة، وبحره مجوي، وما يباع فاسد… حتى الدواء، علة مرضية، ومَربَح مالي لعصابات، تتصدر مجالس السياسة ودور الطائفية ومواقع التقرير المزيف.

كفى كتابة عن هذه الحالة. أليس لديك أيها القلم، لغة أخرى؟ فلنقل: “يصطفلوا”. هذا الكيان أعطي لكهنته السياسيين. انه عقار لا أكثر. يباع ويشرى. وهم احرار في ن يتصرفوا بما يملكونه منذ ولادة هذا الكيان، والحجة، أن ليس في لبنان شعباً. نحن لا شعب.

فلننصرف إلى بناء معازلنا. لنكف عن النَّأ. تعبنا من كل ما يمت إلى السياسة والاقتصاد والتربية والصحة والبيئة والكهرباء والمعيشة وقلة الحيلة. خلص. لنصمت. لنخترع “وطنا من ورق”، وطنا من شعر، وطناً من كلمات، وطنا من فن، وطناً من موسيقى، وطناً خيالياً جميلاً… فلننفصم عن لبنان السياسي والتاريخ. انه لا يستحقنا.

فلنجرب اللا انتماء. لنقل: ما خصنا. لنترك لهم البلد: “هذا هو لكم فخذوه”. لنبرهن، أن استقلالنا عن لبنان جدير باحتضان جماعات جميلة، خيِّرة، طيبة، مبدعة، آدمية، صاحبة اخلاق، جديرة بالاحترام، ذات كفاءات عالية… فليؤلف هؤلاء، بمعارضهم وفنونهم وإبداعهم، وطناً بديلاً عن اللا وطن اللبناني.

ليس هذا تشاؤما. أنه ذروة الأمل. الثقافة ام الحضارة. التجارة أنذل المهن في السياسة والدين والاخلاق. لبنان الرحابنة، هو لبنان الحلم الذي مضى. بالإمكان، صناعة لبنان الحلم بالمستقبل. ليكون لبنان الجديد، على صورة مفكريه وكتّابه ومثقفيه وفنانيه ومبدعيه ومنتجيه وناسه الطيبين. وطن يبنى على ثقافة الابداع، وليس على سفالة الراهنين.

إذا اجتمع هؤلاء، في مسار لبناني جديد، فإن اول ما يلزم عليه من واجب، أن يقطعوا مع هذا النظام وأهله. أن لا يسمعوا حكاياته وقصصه وحكايات الحيَّات المعيبة. غير مسموح لطبقة المفكرين والمبدعين والفنانين، أن يسمعوا اخبار تأليف الحكومة، ومشاريع عدم تنفيذ مشاريع الكهرباء. هذا هو لبنانهم سيء السمعة لبناننا، وليد نزعة انسانية تساوي بين الناس. وليد ايمان بالشفافية والحرية والديمقراطية والانتاج.

هل يمكن أن نحلم؟

ليكن الحلم وطننا الجديد. انه وطن مقنع، أكثر من مئة حجة على وطن في لبنان.

هل هذا هذيان؟

طبعاً. انه أفضل من هذيان اهل السياسة ومن يردد اقوالهم ويسمع اصواتهم ويسير في ركابهم.

بعد غدٍ، عيد الاستقلال. فليكن هذا اليوم، مناسبة لإعلان استقلالنا عن لبنان.

بعض الجنون، أفضل من عفونة التعقل.

فليعش هذا الجنون.

 

 

Exit mobile version