طلال سلمان

اغتيال نهر المليون فقير.. و الـ U.S.AID تدعونا لحمايته!

تزدحم الطرقات التي توصلك من بيروت الى مختلف الجهات في لبنان شمالاً وجنوباً وشرقاً باللافتات التي تبشرنا فيها (U.S.AID) ـ أي المؤسسة الأميركية للمساعدات ـ (وهي بطبيعة الحال فوق الشبهات)، ان نهر الليطاني هو شريان حياة لبنان..

ولقد “بهرنا” هنا الإكتشاف المتأخر الذي غاب عن ذهن اللبنانيين، دولة وحكومة وشعباً حتى احتاج الأمر الى “تنبيه” أميركي ودود..

ليس من باب التباهي أو المفاخرة القول أن “السفير” قد أجرت سلسلة من التحقيقات، مع بدايات صدورها في ربيع العام 1974 عن هذا النهر اليتيم بعنوان: “الليطاني نهر المليون فقير!..”

مشى الزميل الراحل الياس عبود (وهو ابن القرعون التي بُني سد الليطاني في خراجها وعلى بعد ضربة حجر منها) مع نهر الليطاني من منبعيه ـ غربي بعلبك (نبع العليق في سهل بلدة السعيدة) وحتى مصبه على مبعدة بضعة كيلومترات من صيدا ويصب في البحر المتوسط شمال منطقة صور (في منطقة القاسمية..)

تابعنا النهر والتحقيقات عنه: استمعنا الى الأهالي في مختلف البلدات والقرى التي يعبرها بدءاً من غربي بعلبك وعلى امتداد سهل البقاع حتى حدود محافظة الجنوب، ثم يكمل طريقه عبر القرى والوديان في جبل عامل فينحرف مجراه غرباً عند جسر الخردلي حيث يسمى نهر القاسمية حتى يستعيد اسمه الأصلي بعد تعديلات عليه يجريها أهالي “البلاد” التي يعبرها قبل أن “يذوب” في البحر المتوسط شمالي مدينة صور.

لم تفد التحقيقات المصورة والمكتوبة بلغة شفافة في لفت انظار المسؤولين الى ما يتهدد هذا النهر الوحيد (الذي يستحق هذه التسمية) في مجراه الطويل نسبياً (أكثر من 170 كيلومتر)..

ثم تفجرت الحروب (أهلية وإسرائيلية وبين بين) ونسي الناس أمر الليطاني، وان كان أصحاب المصانع والمدابغ والبلديات الممتازة قد استذكرت مجراه لرمي النفايات، وتحويل المياه المبتذلة اليه، بحيث فقد صفاءه ودوره الذي يتجاوز الري الى إرواء ظمأ العطاش الى مياه نظيفة.

ناضلت “مصلحة مياه نهر الليطاني” بقيادة مؤسسها الراحل الكبير ابراهيم عبد العال ما أمكنها، و”قاتلت” حتى امكن بناء سد القرعون.. ولكن بقي أن يتوفر من يحمي مجرى النهر من التعديات والمياه المبتذلة والأوساخ التي تُرمى فيه.

وقد ساعدت “السياسة الرسمية”، ممثلة بالحكومات المتعاقبة كما البلديات وأصحاب المصانع والمشاغل وورش البنايات الى تحويل الليطاني الى مكب للنفايات..

صار النهر قتيلاً، مدفنه السد..

صحيح انه بعد سد القرعون ظلت مياهه قابلة للاستعمال المنزلي والشرب بعد التصفية، وسقاية الأراضي الزراعية، لكن “النهر” كان قد مات وصار مجرى، مجرد مجرى مائي ترمى فيه كل النوافل والزبالة والعوادم..

لم تكن “الدولة” مستعدة لأن تعرف، فاذا عرفت تصرفت فأنقذت النهر الأكبر، وربما الأوحد في لبنان، والذي يشكل مصدراً للحياة في معظم البقاع والجنوب..

وها هي وكالة “U.S.AID” الأميركية تتبرع الآن بحملة إعلانية، ضخمة تدعو فيه الى انقاذ نهر المليون فقير..

ومن أولى من “الأميركان” بالإنقاذ، براً وبحراً وجواً، مدنياً وزراعياً وعسكرياً واجتماعياً..

لكننا لم نعرف عن الأميركان اهتمامهم بالفقراء..

ولم نعرف عنهم مثل هذه المبادرة للإنقاذ، من فوق رأس الدولة وشعبها، بمن في ذلك أهل البقاع والجنوب..

لكن الدولة غائبة عن الوعي وعن الواقع وعن مهماتها الطبيعية في استنقاذ مواردها الطبيعية وشعبها، عبر حماية نهرها الأكبر، بل نهرها الوحيد الذي يستحق هذه التسمية..

وعسى في عهد ما، ومع حكومة ما، ومجلس نيابي ما، يكون لمثل هذا الكلام الصدى المطلوب.

 

 

 

Exit mobile version