طلال سلمان

استعادة لصفحات من تاريخ الامة : من الاستعمار إلى الهيمنة الاميركية والاحتلال الاسرائيلي

هل عجزت الشعوب العربية التي يُفترض، بقوة الجغرافيا والتاريخ ووحدة المصير، انها أمة واحدة تتطلع، جميعاً، إلى المستقبل الافضل عبر التحرر من الاستعمار، قديمه والجديد، والى التوحد في دولة واحدة (أو في اتحاد فيدرالي او كونفيدرالي) لتأكيد منعتها وقدرتها على بناء غدها الافضل والانتصار على المعوقات التي اصطنعها دهر الاستعمار حين قسَّم هذه الارض الواحدة إلى دول شتى، مصطرعة ومقتتلة في ما بينها، مما مهد لزرع الكيان الصهيوني، اسرائيل في قلبها. فلسطين؟

ها هو الوطن العربي الآن مزقاً شتى بعد قرن كامل من استيلاد دوله بما يحقق اغراض الاستعمار الغربي ويمهد “لاستنبات” الكيان الاسرائيلي فوق ارض فلسطين، بتواطؤ دولي جمع الغرب الرأسمالي مع الشرق الشيوعي، آنذاك، لتلغيم الارض المقدسة (فلسطين) بما يمنع توحد سائر المشرق الذي اصطنع فيه الاستعمار دولاً شتى لتقسيم العرب.

ولقد أقيمت هذه الكيانات وقد زرعت فيها “الألغام” من خلال تغذية العصبيات الدينية والطائفية، او اقتطاع مساحات من وطن طبيعي لرعاية كيانات مستولدة وطارئة، اقتضت احيانا اللجوء إلى سياسة الضم والفرز (كما “الاقضية الاربعة” أي بيروت والشمال والجنوب والبقاع) لاستيلاد الجمهورية اللبنانية ووضعها تحت الانتداب الفرنسي.

كذلك قسمت سوريا إلى ثلاث دول (دمشق وحلب وبلاد العلويين)، واقتطع البريطانيون منها شرقي الاردن لتكون امارة للشريف عبدالله ابن الشريف حسين، “مطلق الرصاصة الاولى لإعلان الثورة العربية في العام 1915…”

وكانت تلك الخطوة التمهيد العملي لاقتطاع فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني من اجل اقامة الكيان الصهيوني، اسرائيل، في وقت لاحق، وبعد قمع جيش الاحتلال البريطاني انتفاضات الشعب الفلسطيني ضد المشروع الاستيطاني الذي تم توفيره لإقامة اسرائيل، بذريعة “إنصاف” اليهود وتجميعهم في دولة (لم تكن لهم في أي يوم عبر التاريخ) تعويضا لهم عما وقع لتجمعاتهم وافرادهم في المانيا وبولونيا وسائر اوروبا على أيدي النازيين بقيادة ادولف هتلر، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.

كان التمهيد شاملاً. الكيانات العربية، التي استحدثتها بريطانيا وفرنسا، ضعيفة، بل منهكة، خصوصاً وانها لم تكون دولاً قائمة بذاتها في أي يوم.. بينما اسرائيل جاء عسكرها مكتمل التدريب في “جيوش الحلفاء” خلال الحرب العالمية الثانية، مع رعاية اميركية مباشرة سرعان ما شارك فيها الروس، كما بيّنَ قرار الامم المتحدة بقبول الدولة المستولدة حديثاً، عضواً كامل الاهلية فيها.

…ولقد كان طبيعياً أن تعجز الكيانات العربية المستولدة حديثاً، والمجردة من اسباب القوة (اقتصاديا وعمرانيا قبل العسكر وبعد) عن مواجهة هذا الكيان المصفح بالإسناد الدولي ـ شرقاً وغرباً ـ وكذلك بالضعف المهين في “دول الطوق” العربية، التي لم تكن دولاً، بالمعنى المعروف، ولا هي كانت من القوة وتوفر الامكانات ، لا سيما العسكرية، بما يجعلها، حقاً، في مصاف الدول… فلا جيوش، ولا قدرات اقتصادية، ولا دعم دولي، فضلاً عن الخلافات والمنازعات في ما بينها حول “الحدود”.

بل أن مصر الملكية في ظل فاروق الاول قد زودت القوة العسكرية التي اوفدتها إلى غزة وبعض فلسطين (الفالوجة بينها) كان سلاحها فاسداً، تنطلق رصاصات البنادق من الخلف، مما ساعد على انتشار الفاجعة بشكل كاريكاتوري “يا رب تيجي في عينُه”، لأن الرصاصة كانت ترتد، إلى الخلف، على مطلقها فترديه، ولذلك فقد كان يبعدها عن وجهه ويطلقها داعياً أن تصيب العدو الاسرائيلي الذي يواجهه.


قد يُقال أن ذلك زمن قد مضى وانقضى.. ولكن الحقيقة أن ما نشهده هذه الايام هو “الثورة المضادة” التي قادتها الولايات المتحدة الاميركية ودائماً بالشراكة مع العدو الاسرائيلي، بعدما ورثت الاستعمار الغربي.

ولقد باشرت الادارة الاميركية التآمر على النهوض العربي الذي حقق اغلى احلام الامة بإقامة دولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة من خلال توحد مصر وسوريا تحت قيادة جمال عبد الناصر).. وامكنها تحريض او شراء بعض الضباط في الجيش السوري، فوقع الانفصال، ورفض عبد الناصر التدخل بالقوة العسكرية لضرب الانفصاليين في دمشق حتى لا يعتبر ذلك اغتيالاً لمبدأ الوحدة العربية، وضرورتها الحيوية لبناء قوة الامة العربية وتهديد مستقبل الأمة.

مع وفاة عبد الناصر في 28 ايلول 1970، وبعد الصدامات الدموية المفجعة بين الجيش الاردني والمقاومة الفلسطينية، تفرق العرب، مرة أخرى أيدي سبأ..

وكان ما كان مما نحب أن ننساه: حرب تشرين (اكتوبر) 1973، والنصر الناقص الذي أوصل إلى معاهدة كمب ديفيد، وخروج مصر من حومة الصراع مع العدو الاسرائيلي، وترك سوريا وحدها تقاتل العدو الاسرائيلي حتى اضطرت إلى القبول بتجديد الهدنة، تحت الرعاية الاميركية.

أخذت العزلة مصر إلى افتقاد العرب دورها الجامع واثرها العظيم في مختلف وجوه الحياة العربية، سياسياً وعسكرياً وثقافيا واجتماعياً..

وهكذا توزع العرب ايدي سبأ، وكانت النتائج مفزعة:

1- تم ترسيخ وجود الكيان الاسرائيلي وتولت الادارات الاميركية المتعاقبة تعزيز بل تعظيم قدراته العسكرية حتى بات اقوى من العرب مجتمعين..

2- استطاعت اسرائيل وقد غدت الدولة العظمى في محيطها، بعد خروج مصر من حومة الصراع، أن تحاول فرض هيمنتها بالقوة العسكرية والهيمنة السياسية على القرار العربي، وأن تخترق الحصار فتسحب الاردن إلى معاهدة صلح معها في وادي عربة (1974) …

3- وفي حين استطاعت المقاومة الاسلامية في لبنان أن تحقق الانتصار فتجلي قوات الاحتلال الاسرائيلي عن الارض اللبنانية، في 25 ايار 2000، فان هذا العدو قد عاد فشن الحرب على لبنان في تموز | اب (يوليه | اغسطس) 2006 . ولكنه ارتد على اعقابه مهزوماً، وكان القرار الدولي 1701 نقطة النهاية لهذه الحرب… حتى اشعار اخر..

…والصراع مفتوح، بعد، ولن يسمح العرب بأن يعودوا إلى احضان الاستعمار، بل إلى أسر الاحتلال الاسرائيلي، بعد أن ذاقوا طعم الحرية..

والكفاح دوار.. لتستعيد الامة وحدتها وقرارها الحر..

وطني لو شغلتُ بالخلد عنه ……………… لنازعتني اليه في الخلد نفسي..

تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

Exit mobile version