طلال سلمان

ارنون خارج انتخابات اسرائيلية

من قانا إلى أرنون، بل وقبل هذه وتلك بكثير، ينتبه العرب متأخرين إلى أنهم مجرد وقود للمعارك الانتخابية الإسرائيلية وليسوا قوة تأثير بالسلب أو بالإيجاب (؟) فيها. إنهم شهود زور، وهي صفة تغلب بل وتكاد تطمس أنهم مجرد ضحايا!
فالصوت العربي، في ظل الضعف العربي المهين، هو إجمالاً، مجرد بعبع وهمي ينفع في استنفار التطرف، كما قد ينفع في تبرير »الاعتدال«، ودائماً من داخل مصلحة الكيان الإسرائيلي والمشروع السياسي المعتمد للتوسع أو للهيمنة، وهما وجهان لعملة واحدة.
ولقد سال من الحبر في الحديث عن الصوت العربي أقل بكثير مما سال من الدم العربي في معارك المتنافسين من الإسرائيليين والمتناظرين حول أفضل الوسائل وأقصر الطرق إلى تدجين العرب في أقطارهم، خارج فلسطين، وفي إلغاء تأثيرهم بإلغاء وزنهم السياسي العسكري، ومن ثم شطب الصوت الفلسطيني في الداخلين (داخل الكيان الإسرائيلي، وداخل فلسطين).
حتى اليوم ما تزال إسرائيل هي الأقدر على إلغاء التأثير الفلسطيني: بداية بجعل الصوت الواحد صوتين متعارضين، ومن ثم باستنفار الإسرائيليين بتخويفهم من الاجتياح العربي لديموقراطيتهم!
ففي إسرائيل، تحديدا، لا تتنافس الديموقراطية مع العنصرية، والصوت العربي هو مجرد إطار تزييني للديموقراطية العنصرية أو للعنصرية الديموقراطية في هذا »المجتمع« الفريد من نوعه في الدنيا،
وفي كل معركة انتخابية في إسرائيل، وبذريعة ضرورة إظهار الاعتدال عربياً لمنع التطرف الإسرائيلي من الوصول أو من الاستمرار بالسلطة، دفع العرب عموما من مصالحهم القومية العليا ومن أمن مستقبلهم ومن حقوقهم في أرضهم، ربما بأكثر مما دفعوا في الحروب والمواجهات العسكرية مع إسرائيل.
كان الفائز في الانتخابات الإسرائيلية هو من يتمكّن من الحصول على تنازلات عربية (وفلسطينية بالذات) أكبر يقدمها إلى »المترددين« أو »الحائرين« حول البرنامج الواحد في مواجهة العرب، وإن اختلفت تفاصيله في معالجة الشؤون الداخلية الإسرائيلية.
وكانت الديموقراطية بل قل »الوطنية« الإسرائيلية تتأكد بالتنازلات العربية،
فالأقوى على العرب (خارج الكيان الإسرائيلي) هو الأقوى ديموقراطيا داخل الكيان!
ولم يسقط شيمون بيريز لأنه تسبّب، من موقع صاحب القرار، في مجزرة قانا بكل ضحاياها من النساء والأطفال والشيوخ وحصانة الأمم المتحدة وأعلامها، ولكن لأنه فشل في طمس الجريمة وإخفاء الجثث وفي »إقناع« الرأي العام العالمي بأن أولئك الملتجئين إلى معسكر القوات الدولية إنما كانوا يشكلون تهديدا بل وخطرا داهما على الأمن الإسرائيلي.
كان الفشل سياسيا، لذا عالجته الديموقراطية الإسرائيلية بإنجاح الأكثر تطرفا عقابا »للمعتدل« الذي صار صعباً عليه أن يثبت حبه للأطفال بعدما قطعتهم قذائفه إرباً!
الديموقراطية تؤكد نفسها بالاحتلال، بشرط ألا يكون الثمن باهظا إسرائيليا.
والخيار اللبناني، من قانا إلى أرنون، محدد تماما: الصمود ومواجهة الاحتلال بمعزل عن الاحتمالات أو التقديرات لنتائج الانتخابات الإسرائيلية.
فالاحتلال هو هو قبل الانتخابات وبعدها وبمعزل عن شخص الفائز، خصوصا وأن شعار بنيامين نتنياهو هو هو شعار يهودا باراك وإسحق موردخاي وسائر المرشحين: »رئيس قوي لإسرائيل قوية« مهما اختلفت صياغة هذا الشعار في قلب »الديموقراطية الإسرائيلية«.
لقد أثمر الصمود والمقاومة ومواجهة الاحتلال ومجازره في قانا وسائر الجنوب، معززا بالدعم السوري المفتوح، والحرج الدولي الذي كانت فرنسا الأسبق في التعبير عنه، فأعطى لبنان مكسبا دبلوماسيا مهماً هو »تفاهم نيسان«.
اليوم أيضا يستطيع لبنان أن يحرج العالم كله بصموده ومقاومته ومواجهة الاحتلال بإرادة شعبه الذي يرفض أن يكون مجرد صوت مرجح لهذا المتطرف أو ذاك من المرشحين بشعار »رئيس قوي لإسرائيل قوية«.
إن »الديموقراطية الإسرائيلية« محرجة، عالميا، في مواجهة المطالب الفلسطينية التي بلغت في تواضعها قعر التنازلات الممكنة والتي إذا ما تجاوزتها »السلطة« سقطت عمليا وليس فقط بالمعنى التاريخي أو الوطني أو القومي فحسب.
ولا بد أن يخرج لبنان من دائرة الارتباك الذي يحاول الضغط الأميركي أن يحصره فيه، ودائما بذريعة الانتخابات الإسرائيلية وضرورة »ضبط النفس« منعا من تزكية التطرف وتوفير الصوت المرجح له.
وتجربة تحرير أرنون بالمبادرة الشبابية العفوية قابلة للتكرار في إطار وطني شامل ومنظم وواع وقادر على نقل الحرج والارتباك إلى الضفة الأخرى، بل إلى الدول الكبرى، وإلى الأميركيين أساسا،
إن دماء اللبنانيين (وسائر العرب) أغلى من أن تكون مجرد إطار أحمر »للديموقراطية الإسرائيلية«، ومجرد تبرير إضافي للتطرف الإسرائيلي الموضوع الآن في غرفة العناية الفائقة أميركيا بذريعة تدجينه وتلطيفه وتقليم أظافره، ولا بأس إن دفع لبنان بعض »تكاليف« هذا التهذيب للاحتلال!
لبنان قادر، بشهادة أرنون التي لا يجوز أن تصير صورة من الماضي،أو مجرد »فورة« وليست تعبيرا أوليا عن إرادة شعب يحب الحياة ويتعلق بأرضه ويعشق الحرية ويقاوم الاحتلال ويقهره.
أرنون في هذه اللحظة هي كل لبنان.

Exit mobile version