طلال سلمان

ابو وضاح والفارق بين القبلات!

اليوم، تمر الذكرى العاشرة لغياب يوسف خطار الحلو.. وكنت قد ودعته بكلمة، ثم اضفت اليها قليلاً مع انه يستحق الكثير.

ما أطول الرحلة، ما أقصر الرحلة. ما أمتع الرحلة، ما أقسى الرحلة.

ما أعظم الإنسان. ما أعظم الجهد. ما أعظم الهدف المرتجى. ما أقصر العمر المتاح. ما أكثر الصعاب، ما أشقّ المواجهة. ما أبعد الأمنية، ما أعز الأمنية، ما أقصر اليد!..

من حصرايل إلى حصرايل عبر العالم. الأممية كالدائرة: تعود إلى نقطة المنطلق مهما طالت الرحلة.

تعود بالحصيلة المباركة.

تعود مرفوعاً على الأكف، ووسط الصدى الحزين لرنين أجراس الكنيسة القديمة.

تعود وخلفك تاريخك يشهد بأنك ما توانيت، ما ترددت، ما أحجمت، ما قصرت. بذلت أقصى الجهد. كتبت، خطبت، عملت، نظّمت، هربت، حوكمت، سجنت، اختفيت وظهرت، ولم تستبقِ شيئاً من نضارة العمر أو من نبض القلب إلا بذلته.

ما أعظم الانتصار، ما أفظع الهزيمة.

لطالما مشيت في الأرض مرحاً والأعلام الحمراء تقتحم القلاع العاصية في البلاد القاصية.

لطالما زهوت بارتفاع المنجل والمطرقة على أنقاض العروش العتيقة، وصدّقت أن الاشتراكية قد اكتسحت الرأسمالية محققة للإنسان كرامته… وتلبث تنتظرها في بيروت حتى أمضك الانتظار، وأخذك التفكير إلى القلق: هل ثمة خطأ ما وأين؟!

ولعلك في السنوات الأخيرة لم تستبقِ إلا الأسئلة.

طارت الأجوبة الحسنة السبك والمعلّبة هباء، ووجدت نفسك فجأة في بحر بلا ضفاف، أنت الذي لا تعرف السباحة إلا في نهر الماركسية العظيم.

لعل العجز عن توفير الإجابات الجدية هو الذي امتص رحيق العمر، وضوء العينين، وعزم الساعد الذي طالما غرس الأشجار وطالما فلح الأرض وطالما جنى الثمار، وطالما أخذ بأيدي الرفاق والأصدقاء.

مسافر عبر السؤال الذي لا جواب له، أنت الآن، “يا أعظم رأسمال في الوجود”.

مسافر في الرحلة الأخيرة التي تعيدك إلى نقطة الانطلاق،

ونبقى نحن الحيارى في لجة الأسئلة المتوالدة كل لحظة بينما لا نملك القدرة على توفير جواب واحد.

مع السلامة، أبا وضاح. أيها الطيب كطفل، الشامخ كسنديانة، العريق كالوعد بغد أفضل.

لكم سهرنا معاً نستمتع بحكاياتك الطريفة عن ايامك الاولى في الحزب الشيوعي الذي علمك وثقفك ويسر لك امر الاسفار الى موسكو وسائر عواصم المعسكر الاشتراكي.

وما زلت اذكر من طرائفك انك، وبعض رفاقك الذين ذهبتم الى موسكو عن طريق باريس.. واذهلتكم عاصمة النور بالحريات الشخصية فيها، ومن بينها تبادل الشبان والشابات القبلات في الشارع او في المقاهي او في المترو او في السينما الخ. وكان تعليقكم: شوفوا قلة الادب في المعسكر الرأسمالي … انه فجور! انه دعارة علنية!

..فلما وصلتم الى لينيغراد (بطرسبرغ) التقيتم في الشوارع، كما في محطات المترو، كما في حدائق الفندق، زرافات من الشبان والصبايا يتعانقون، وقد يتجاوزون الحدود في المداعبة والغواية، هتف كبيركم الذي علمكم السحر: شوفوا الحرية كيف تطلق الحرية وتجعل الانسان يتمتع بإنسانيته. ان الحب عاطفة انسانية مقدسة فعيشوها..

وكنت تختم الحكاية هاتفاً: كاسكم يا شباب

وكنا نرد: كاسك يا ابا وضاح، وكاس انسانيتك؟

Exit mobile version