طلال سلمان

إيلي خير الله

على امتداد عقود، تناوب فيها على وزارة التربية وزراء من »يسار اليمين« و»يمين اليسار«، واجتاحتها حروب الطوائف وميليشياتها ذات الثقافة العالية، انهار كل شيء في ذلك المبنى العتيق، اختفت ملفات، وتبدلت مواقع، وتغيرت مناهج، وظل »إيلي خير الله« حارسا لفكرة الدولة وحرمة مكتب الوزير.
عشرون وزيرا، ربما أكثر، بعقليات مختلفة، ومشاريع متباينة، ونظريات متناقضة، جاؤوا وكل منهم يحاول أن يمحو آثار سابقيه، ويلغّم الطريق أمام من سيأتي بعده.. وإيلي خير الله شاهد صامت، يرى فيعجب ولا يتكلم. ثم فقد عادة التعجب أو الاستغراب، وفقد الفضول، ولكنه ظل يحس بالمسؤولية عن حماية »السر«!
جاء زمن التقاعد، فما تقاعد: كيف ولمن يترك الوزارة التي أمضى فيها من عمره أكثر مما أمضى في بيته؟ هنا البيت.. هناك غرفة النوم فقط!
أمس، رحل إيلي خير الله، في حادث سير سخيف… وسيفتقد المبنى الذي طالما اقتتل على مكتب الوزير فيه أصحاب النفوذ، ذلك الموظف الطيب الذي كان يعرف محدثه من كلمة »آلو« ولو بعد انقطاع سنوات، وكان يعرف طبيعة طلبه حتى لو لم يعلنها، ويعرف جواب الوزير الأصلي مهما تفنن في التبرير، حتى لا نقول »الكذب«.
رحم الله إيلي خير الله الذي أمضى عمره حارسا لكل ما هو عام، ثم ذهبت به »ساعة تخلّ« وهو في طريقه إلى البيت ليرتاح بين نوبتي حراسة على »الدولة« التي أكثر ما تفتقد هذه الأيام حراسها.

Exit mobile version