طلال سلمان

إكذبوا.. تسلموا

الحقيقة، ضحية الحرب الأولى. هي حصة المنتصر. الويل للمهزومين. التاريخ يكتبه المنتصرون. لا بد من الكف عن ادعاء العصمة وامتلاك الحقيقة.

لبنان الحقيقة، كذبة. الميثاق الوطني كذبتان. النصاب الحقيقي للبنان، هو التكاذب الدائم.

يحدث أحيانا أن تكون الحقائق شديدة الواقعية، كاملة الحضور، مثبتة وموقعة بالدم. حدث في 25 ايار الالفين، أن فرّت القوات الاسرائيلية المحتلة من جنوب لبنان ومعها فلول “اللحديين”. كان الحدث واضحاً مثبتاً بالصوت والصورة وممهوراً بالدم… ومع ذلك، هناك “لبنانين” طعنوا بالانتصار. طالبوا بتسليم سلاح “حزب الله”. قرروا تنكير الانتصار فكادوا له.

حدث في آب العام 2017. أن تم تحرير جرود عرسال وجرود رأس بعلبك ـ القاع، من قوى ظلامية، من “النصرة” و”داعش”، وتم الكشف عن مصير الجنود اللبنانيين الشهداء… ومع ذلك، قامت قيامة “لبنانيين” تكذّب الحدث، وتفتري على الشهداء، وتتهم المنتصر بالانتهاز، وتضرب على وتر التفريق بين الجيش والمقاومة.

الذين طالبوا في العام الفين بتسليم سلاح “حزب الله” هم أنفسهم الذين طعنوا بالانتصار في الجرود… ليس ذلك جديداً. لبنان يعيش على تفضيل الاكاذيب على الحقائق، والسبب معروف من زمان. الطائفية هي لغم لبنان، ولغم الحقيقة، وما تبقى من كيان.

هي، ليست المرة الأولى ولن تكون الاخيرة. هي هكذا كانت وهكذا ستبقى. الطائفية تعني نفي للآخر. لن يقتنع السنة، بأكثريتهم الساحقة، بما تنجزه المقاومة، لكونها شيعية. عبث. ولن يصدق الشيعة ما يتبناه السنة، منذ الانحياز السوري للشيعة، أي منذ ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولن يبرئ الشيعة السنة من سياسات عدائية، تنسجم والتوجهات السعودية. وحتماً ستضيع الحقائق الصغيرة والكبيرة، في متاهات المحاور الاقليمية. فالسنة مع السعودية والشيعة مع إيران.

حدث في ما مضى، أن كان السنة مع عبد الناصر. وطبيعي، أن ينحاز المسيحيون، في اكثريتهم، إلى منطق الحماية الغربية. لا يسأل من كان على حق. الحقيقة ضحية هذه الطائفية، ولن يكون لها قائمة البتة.

غصت وسائل الاعلام بالردح المتبادل.

اتهامات واتهامات مضادة. تحميل “المستقبل” ومن معه، مسؤولية اختطاف العسكريين. تحميل “المقاومة” تبعات ما بعد استسلام “داعش” وأثر ذلك على عائلات مخطوفي الجيش، واتهام المقاومة بسيل من التهم، وهي التي دفعت دماً من اجل تحرير الجرود وكشف مصير الأسرى من الجيش.

كحقيقة ثابتة، لبنان لا وجود له. هو لبنانان او لبنانات، بعدد الطوائف والمحاور. لبنان اللبناني، اضغاث سياسة. سيبقى لبنان لغير اللبنانيين، بإرادة طوائفه. لن يوحده انتصار، ولن تجمعه نكبة، ولن ينشد حقيقة النشيد الوطني، إذ، ليس “كلنا للوطن”. اولاً، لان لا وجود لهذا الكل، ولا وجود البتة للوطن.

نصيحة: لا تتعبوا انفسكم كثيراً. لن تقتنع طائفة بسياسات او انجازات او خيارات طائفة أخرى. فالج لا تعالج. وعليه، فلنتصالح مع الغلط. لبنان غلطتنا المشتركة. غلط أن نفكر بصيغة دولة ونظام ووطن. غلط أن نطلب من قوى لبنانية أن تكون لبنانية فقط، او لبنانية اولاً. فلنكن وطنيين او أكثر في دولة “واحدة” شكلاً. فليصدح المنتصرون بأناشيدهم، وليحزن الآخرون.

لتكن دول مزدوجة بالتراضي: ما هو لنا هو لنا، وما هو لكم هو لكم. المشترك في ما بيننا هو المشكلة. وعليه، فبسلام يشبه الاستسلام، نودع الحقائق، ونعيش في سراب. ومن ينتظر كشف حقيقة انتصار الجرود، عبر التحقيقات القضائية، يركض خلف سراب.

نصيحة ثانية: لو كشف القضاء التقصير، فسيحاسب في الشارع الطائفي. تماماً كما اتهم الجيش بالانحياز مراراً من قبل. لذا، اياكم والحقيقة. هذا مضر جداً. الكذب هو المشترك بين اللبنانيين فلنحافظ عليه.

هذا عيب كبير. اليس كذلك؟

أن نعيش في العيب، خير من أن نفرض الحقيقة على من يرفضها. من يرفضها يلجأ إلى العنف. اكذبوا، ففي الكذب يدوم لبنان.

Exit mobile version