طلال سلمان

إعلام العدو ورمضان: الحكومة تلعب بالنار

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم الثامن والثلاثين بعد المئة، نزداد يقينا أنه بعد كل شدة يأتي الفرج، وبعد كل ظلمة يأتي النهار، وشمس حريتنا سوف تشرق. هذا ايماننا مهما تمادى الظالمون.

***

أثارت النقاشات داخل الحكومة الإسرائيلية بين رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزيره الكهاني إيتمار بن غفير بشأن تقييد صلاة المسلمين، خصوصا بين فلسطينيي 48، في الحرم القدسي في شهر رمضان المقبل، عاصفة سياسية ودينية لم تهدأ.

واعتبر العديد من كتاب الرأي في الصحافة الإسرائيلية أن انجرار نتنياهو وراء “مُشعل الحرائق”، بن غفير، يمكن أن يقود الكيان إلى كارثة وحرب دينية. وبرغم وجود مؤيدين لقرار بن غفير بين الإسرائيليين، إلا أن أصواتا كثيرة برزت، حتى من داخل اليمين الاستيطاني، محذّرة من مواصلة نهج التطرف.

ويوم أمس، حاولت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية التمييز بين المداولات وبين القرار النهائي، مشيرة إلى أنه لم يتم اتخاذ أي قرار حول المسألة بعد.

فقد اعتبرت صحيفة “معاريف” أن ما أثار العاصفة السياسية هو غموض التقارير حول المداولات وتضاربها، مشيرة إلى أن نتنياهو أعطى الانطباع أثناء المداولات بأنه يميل إلى موقف الشرطة التي أوصت بتقييد وصول المسلمين إلى الحرم، خصوصا من داخل مناطق 48، وذلك خلافا لتوصية كل من الجيش والشاباك اللذين يعارضان فرض أية قيود.

أضافت أنّه فيما هلل بن غفير لما اعتبره نجاحا في فرض رأيه على نتنياهو، تحدث الأخير عن أن القرار لم يتخذ بعد وأنه طلب من الجهات المختصة تقديم توصياتها مع الإشارة إلى تداعيات أي قرار ومخاطره.

وأوضح مقربون من نتنياهو أنه لم يقبل موقف بن غفير الداعي للسماح لقوات الشرطة باقتحام الحرم كلما ارتفع صوت “تحريض” أو رفعت الأعلام الفلسطينية، مشيرين إلى أن القرار النهائي بهذا الشأن سيتخذ في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية. وبعدها، تجرى مداولات خاصة تتقرر في نهايتها القيود المتعلقة بسن من يسمح لهم بدخول الحرم، وطبعا بعددهم.

وكان بن غفير قد أعلن أنه “في السنوات الأخيرة، حاولت حكومات إسرائيل المتتابعة، وبكل القوة، ان تكون لطيفة مع “حماس” وأن تحتويها، وأدخلت عشرات آلاف النشطاء (إلى فلسطين) وحوّلت حقائب فيها ملايين الدولارات. وتدلل سجناء حماس في السجون في زنازينهم كما يشاؤون وحصلوا على خدمة كاملة. وحتى عندما كانوا يطلقون علينا الصواريخ، كانت هناك جهات تبرر دوما قائلة إن هذا مطر او عطل كهربائي.”

أضاف “وبرغم ذلك كلّه، تحطم هذا الوهم الصبياني في 7 أكتوبر. وتبين أن التفكير في أن كلّ ما علينا فعله هو أن نكون لطفاء مع حماس، وأن نحتويهم – هو وهم عظيم تحطم في وجوهنا جميعا. اعداؤنا يختبروننا حتى في هذه الدقائق، ويريدون أن يروا إذا كنا مصممين وأقوياء أم اننا خائفون وخانعون”.

وكانت صحيفة “هآرتس” أكثر المعارضين لتوجه نتنياهو وبن غفير لتقييد وصول المسلمين، خصوصا من مناطق 48، إلى الحرم.

وكتبت “هآرتس” في افتتاحيتها بعنوان “فلتحرق الدولة” أن “القرار بتقييد صلاة المسلمين في الأقصى اثناء شهر رمضان هو القرار الأخطر لحكومة الفظائع منذ نشوب الحرب.”

أضافت أن “رمضان، الذي يبدأ الشهر المقبل، كان يمكن أن يكون فرصة ممتازة لإثبات أن الناطقين بلسان حماس يكذبون، وأن حرب إسرائيل هي ضد حماس وليست ضد الشعب الفلسطيني أو كل المسلمين. لقد كانت هذه فرصة لتقويض دعاية منظمة الإرهاب في ان إسرائيل تعتزم المس بحرية العبادة الإسلامية في الحرم القدسي وتغيير الوضع الراهن في المكان، كما هي فرصة للفصل بين “حماس” وبين العرب في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية وفي إسرائيل”.

وتابعت موضحة “لكن الحكومة الأسوأ في تاريخ إسرائيل، التي يحكمها نشيط جبل الهيكل إيتمار بن غفير، وعلى رأسها سياسي فاشل أوصل مذهبه إسرائيل الى شفا الهاوية – لا تفوت هذه الفرصة فحسب، بل تستخدم شهر رمضان لسكب مزيد من الزيت على شعلة المواجهة مع الفلسطينيين.”

إلى ذلك، كتب المعلق السياسي بن درور يميني في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بعنوان “إنهم يلعبون بالنار” معتبرا أنه “لم يكن اختيار حماس اسم “طوفان الأقصى” لعملها الاجرامي في 7 أكتوبر من باب الصدفة. ولم يكن من باب الصدفة أن حكومات إسرائيل كلّها كانت تتردد، مثلما حدث هذا الأسبوع أيضا، في كيفيّة التصرف إزاء هذه الكرة الملتهبة التي دوّن عليها عبارة “خطر اشتعال”.

وتابع يمين قائلا إن “التهديد، وهميا كان أو حقيقيا، يتجاوز القضية الفلسطينية الى العالم الإسلامي باسره، لأن هناك، في هذا المكان، ما يثير الاضطرابات ويضرم النار منذ أكثر من مئة سنة “.

أضاف: “قبيل شهر رمضان، هذه السنة أيضا، طرحت مسألة جبل الهيكل والمسجد الأقصى. فكيف تصان حرية العبادة من دون سفك دماء؟ لا توجد صيغة سحرية لتهدئة الخواطر، لأننا نتعامل هنا مع فرضيات من النوع المقيت للغاية. منذ حرب الأيام الستة، واليهود هم الذين يتعرّضون للتمييز، ودخولهم الى جبل البيت مقيد، فتهديدات المتطرفين تتسبب بالردع. وبالتأكيد، الأمر قائم في هذه الأيام أيضا، في وقت لا تحتاج إسرائيل فيه الى جبهة إضافية.”

ولاحظ يميني أنه بالإضافة إلى نتنياهو “يوجد الرجل الذي يتعلق به كل الائتلاف. الرجل الأكثر تطرفا في الساحة السياسية. الرجل الذي أُعلن شخصية غير مرغوب فيها في عواصم العالم كلّها تقريبا. هذا الرجل، إيتمار بن غفير، يسعى الآن لأن يملي سياسته على الحكومة.”

ومضى موضحا أن “نتنياهو يعرف بالضبط مع من يتعامل. في الماضي، رفض السماح لبن غفير بالحج الى الحرم. حينها، قال نتنياهو “بن غفير كان سيشعل الشرق الأوسط. كان سيثير علينا غضب مليار مسلم، لقد قلت انه توجد حدود، وتوجد أمور لست مستعدا لأن افعلها. كان ذلك قبل أربع سنوات فقط. اليوم يوجد نتنياهو آخر: ليس ذلك الذي يقود، بل نتنياهو الذي يُقاد. بن غفير يطلب، نتنياهو يطيع”.

بدوره، كتب رئيس الشاباك الأسبق، يعقوب بيري، في صحيفة “معاريف” أمس مقالا بعنوان “قرار غريب وخطير” اعتبر أن “القرار الذي اتخذه نتنياهو حول وصول عرب إسرائيل الى الحرم في فترة رمضان – على الأقل بحسب بعض ما نشر – هو قرار غريب، وغير واضح ويمكن أن يتسبب باضطراب مقلق، وذلك في فترة هي دوما فترة حساسة، متوترة وعظيمة الأحداث الأمنية الصعبة.”

أضاف بيري “أن حقيقة أن رئيس الوزراء قرر ان يقبل، ولو جزئيا، موقف الوزير إيتمار بن غفير، هي حقيقة خطيرة، قابلة لتأويلات متنوعة، ويمكن تفسيرها على أنها موافقة سياسية أكثر مما هي قرار متوازن، أمني وحساس.”

واعتبر أن “عرب إسرائيل حافظوا على هدوء تام منذ 7 أكتوبر، وعليه فلا مجال لتوتّر وتوتير شبكة العلاقات مع هذا الوسط، وجر أجزاء منه إلى إحداث اضطرابات والمواجهة، بخاصة على خلفية الحرم، وبالتالي دفعهم للانضمام الى خطة حماس الاصلية”.

وما كان لافتا على وجه الخصوص هو انضمام المعلق اليميني المشهور، نداف شرغاي، في صحيفة “إسرائيل اليوم” اليمينية، إلى منتقدي قرار نتنياهو وبن غفير. فقد كتب بعنوان “لنُبقي المارد الديني في القمقم” أن منع “عرب إسرائيليين من الصلاة في شهر رمضان في المسجد الأقصى الذي يقع في جبل البيت من شأنه أن يخرج المارد الديني من القمقم في القدس أيضا – وهو المارد الذي نجحت إسرائيل حتى الآن على الأقل في إبقائه حبيسا”.

ورأى أن “التحويل الجارف لسكان شرقي القدس وعرب إسرائيل الى ممنوعين من الدخول الى الحرم في رمضان من شأنه أن ينزلهم عن الجدار، ويدفع الكثيرين منهم الى التماثل العلني مع غزة ورميهم في أحضان حماس والى اختيار شراكة فاعلة في الإرهاب وفي العمليات”.

وخلص إلى أنه “ليست لإسرائيل أي مصلحة في المواجهة – فما بالك بمواجهة دينية – مع عرب إسرائيل وشرقي القدس. وبالتالي فمن الأفضل الانصات إلى موقف شرطة القدس التي أبقت، بفضل عملها الذكي والمهني في الأشهر الأربعة الأخيرة (الى جانب الشاباك)، شرقي المدينة عموما، والحرم القدسي خاصة (باستثناء حالات محدودة)، خارج أحداث الحرب.

Exit mobile version