طلال سلمان

أيها المسلمون.. قلّدوا الرسول في سياساته

لم ندخل التاريخ كمنتصرين. قرن كامل من الهزائم والادعاءات. أنتجنا حكايات وملاحم كرتونية. العالم الذي عرفناه قبل “طوفان الأقصى” انتهى. هناك نص جديد يتم إملاؤه على العالم، وعلى الآخرين إجادة الطاعة، وإلا.. فلنعترف، لقد أتممنا مسلسل الخسائر.. الإمرة لتل أبيب والسجود مفروض!

لقد تغيَّر العالم. عالم ما قبل “الطوفان” عندنا انتهى. أوروبا العظمى تضاءلت. تبحث عن إقامة ما في خريطة العالم. العرب؟ أين هم؟ الوريث اللاشرعي هو “إسرائيل”. هذا الكيان، بات دولة عظمى. هي القبضة الأميركية بكل قسوتها وجبروتها. لم تعد فلسطين وحدها محتلة. الأرض العربية كلها مُباحة، الفضاء لـ”إسرائيل”، الإملاء منها، وعلى العالم أن يصغي ويُطيع ويُطبّع. لا يُمكن تصديق المحافل التي أدانت “إسرائيل”. “إسرائيل” هي التي تدين. إنها ملفوظة من الهيئات القانونية. لكنها ما زالت تأمر والآخرون يطيعونها. أما العرب.. إياك أن تبحث عن وجود لهم لم يعد موجوداً أبداً.

لنعترف بجرأة؛ “إسرائيل” الدولة المصطنعة كانت ناجحة ومتفوقة، وعلى قياس مطامع شعب مشتت، يحمل قضية: نريد وطناً لنا في بلادنا التي عرفنا فيها ولادتنا وديانتنا.. نريد أن نتحرر من العبء الاضطهادي الذي ذقنا طعمه ومرارة الدم.. وكان أفدحها “الهولوكوست” إلى آخر مسار الاضطهاد الغربي.

لم يكونوا شعباً. كانوا شتاتاً في معظم البلدان، من حوض المتوسط إلى أواسط القارة الأميركية. هيرتسل صنع الأسطورة وبن غوريون قادها. والغريب، أنها جاءت طبق الأصل للدول المؤسّسة على عقيدة “سياسو-دينية”. وكان النجاح باهظاً جداً. دفع ثمنه الفلسطينيون والعرب.

باختصار، وبمقارنة بين بنية دولة “إسرائيل”، وبنى دول عربية من المحيط إلى الخليج. صحيح أن الغرب كان مع الصهيونية، ولكن الصهيونية لم تراهن على غير قوتها وعقيدتها. إسرائيل تُصرّح دائماً: “أنا أولاً والآخرون في ما بعد”.

إذاً، نشأت دولة بكامل بنيانها وبنيتها الديموقراطية، واليهود فيها ليسوا ديناً بل شعباً، متعدد العقائد السياسية والحزبية. والمذهل أن هذا الشتات المتنامي، بات دولة واحدة محددة، توسعية، ناجحة، ديموقراطية. نيابية بانتخابات نموذجية؛ بمساءلات علنية؛ بمحاكمات وأحكام لم تستثن رؤساء حكومات ووزراء ونواب وقادة عسكريين. لم نعرف في هذه الخريطة العربية الملعونة، شيئاً من حلم الديموقراطية. لا مساءلة برغم عظيم الارتكابات. والغريب جداً أن أنظمة العرب جاءت إما من إرث مزمن لا تاريخي أبداً، لا ديني دائماً، لا شعبي بتاتاً. ومع ذلك، حكمت وتحكَّمت، وفتحت الطريق للثكنات العسكرية والأمنية، لاحتلال مناصب السلطة، بكل ظلمها وفحشها وفجورها.

أين فلسطين في القومية العربية؟ لا تسأل. القومية تحوَّلت إلى ثكنة عسكرية وسجون ممتلئة بالأوادم والأنقياء. الشارع يُقاد بحذاء ضابط. الموازنات يكتبها صاحب الإمرة ومشتهي الإنفاق. أما الجيوش العربية، فقد خاضت كل معاركها، بدم أبنائها وهُزمت وظلت حية تقتل وتقتتل.

اختصر؛

السلطة في “إسرائيل” تخاف من شعبها. السلطات العربية طمست شعوبها وحولتها إلى حذاء أو أقل من ذلك. اقرأوا الخريطة العربية من تطوان إلى تخوم إيران. من البحر الثائر إلى الخليج الهادر. عبث. لن تجدوا مواطناً واحداً في هذه البلاد، بما فيها لبنان المكتظ بـ”المواطفين” (مواطف أي مقيم في طائفته) برغم ادعائهم الثقافي وتقليدهم أزياء الغرب المعرفية والفنية.

أنت أيها العربي، ممنوع أن تكون عربياً. عليك أن تنتمي إلى مذهبك، إلى قبيلتك، إلى زعيمك الوراثي، إلى طائفتك، إلى مذهبك، إياك أن تظن أنك مواطن. “فشرت”. أنت تُعامّل بلغة الأمر.. وإلا.

لبنان، نموذج حضاري. هذه كانت إطلالته في الماضي. أما الآن، فقد حوّلته العصبيات الدينية، إلى خنادق وتقاسم وتكاذب وتنافق و.. حروب. هل تعرفون كم مرة استعمل السلاح في لبنان وماذا كانت النتائج ومن كان المنتصر والمهزوم؟

من الطبيعي في ضوء هذا التوصيف السريع أن تتبدى لنا “إسرائيل” هي المنتصرة، وأن تكون راهناً بقيادة بنيامين نتنياهو المرشح للاعتقال والمحاكمة. هذه دولة عن جد.. أما نحن: يا عيب الشوم.

وعليه؛ فإن فلسطين وحدها تملك قضية. فلسطين هي القضية. قضية صعبة ولكنها ليست مستحيلة: فلسطين ظلت ترفع يافطة فلسطين. خسرت المقاومة مراراً، ولكن المقاومة استمرت بأساليب مختلفة، إلى أن كانت رائعة “طوفان الأقصى”.

صمتت الدول العربية. اختبأت في ملايينها. فسرت للغرب أنها ضد. ثم جلست تنتظر النهاية. وقد كانت النهاية كما يشتهي قادة العرب. غزة بالنسبة إليهم “محافظة إيرانية”. “أما وقد خسرت غزة، فتعالوا إلى حل سريع”.

انتهى الصراع البروتستانتي الكاثوليكي منذ 300 عام تقريباً، أما نحن. فما زلنا نُجدّد كربلاء ومعارك الأخوة الأعداء إلى ما بعد القرن الثالث والعشرين. هذا كثير؟ انتظروا أن يفتح العدم أبوابه. وليس من إشارة إلى لفظة عربي. العربي لم يعد موجوداً أبداً. واللبناني في لبنان كذبة عاهرة فاجرة فاقعة.

باختصار؛ الصراع السني – الشيعي مزمن وقادر على البقاء حتى آخر العمر. أكثر من 1450 سنة من البغضاء الارتقائية زمنياً، بين السنة والشيعة. وها هم يختلفون حتى على مسلسل رمضاني.. و”قمح رح تاكلو”.. و”انتصارات رح تدوقوا”.. يا حيف. أنتم لا علاقة لكم بالنبي محمد وعبقريته الفذة، وطريقته في البحث عما يُوحّد. فعلاً، أين أنتم من عبقرية هذا الرجل الخالد؟

وعليه، نصيحة واحدة: اخرجوا من الفيتوات المذهبية وإلا.. سياساتكم جحيم.

Exit mobile version