طلال سلمان

أيها الطائفيون لستم لبنانيين

لا تتفاءلوا. إياكم وهذا الوهم. أنتم محكومون بالفشل والعار. لبنانكم لن يكون وطناً لكم. هو جغرافيا عاصية. لن يكون أبداً واحداً. ولن يكون أولاً. البلد مكتظ بالطائفيين. وهؤلاء ليسوا لبنانيين أبداً ولن يكونوا. المواطنة توحد والطوائفية تُفَرّقْ. البراهين كثيرة: كان من المفترض منطقياً وطبيعياً أن يقف الطائفيون موقفاً موحداً، بعدما أصابتهم الأزمة الإقتصادية والمالية، وتم تذويب مدخراتهم.

عبث. ظلوا يجترون الإتهامات. وكل فريق طائفي/مذهبي يحمِّل الجرم إلى خصومه من الطوائفيين الأعداء… كان متوقعاً بعد الزلزال العارم في المرفأ أن يتلاقى “اللبنانيون” حول جراحهم وشهدائهم. مأساة كبرى في أقسى وأقصى الآلام. عبث. اسمعوهم. كل خندق طائفي يرمي سهامه في اتجاه “عدوه” الطائفي… ماذا يُرتجى من هكذا “شعوب” تعيش معاً في حالة كراهية.

لا تتفاءلوا أبداً. حجم الكراهية والحقد بلغ الزُبى. لا حقد يتفوق على حقد الطائفي. الآخر الطائفي عدو. وكما تكونون يوَّلى عليكم وها هم قادة الطوائفية، يتصرفون قضائياً وحكومياً وسياسياً واقتصادياً، وكأن كارثة لم تقع…”المهمة المثالية”.. بكل أسف ومستخف، هي في تأليف حكومة وحدة “وطنية”. المقصود، حكومة النفاق الطوائفي. وفي الإنتماءات الطائفية، “ما في حدا أحسن من حدا”. انهم يتسابقون في الإرتكاب.

الأهم، أن الطائفي لا يمكنه البتة أن يكون لبنانياً. الإنتماء الوطني مباشر، ولا يحتاج إلى وسيط طائفي. وفي الواقع السياسي، من زمان، كلنا طائفيون، حتى ولو كان البعض ملحداً أو علمانياً. والسبب هو في فلسفة النظام اللبناني “العبقري”. الدولة، لا تعترف أبداً بالعلماني أو اللاطائفي. أنت لبناني، إذا أنت طائفي أولاً. من طائفتك تدخل إلى “وطنك” المهندس طائفياً على قياسات ظالمة.

عبء النظام الطائفي لا يقع على الطائفة كمجموع. إنه يصيب الأفراد ويحاصرهم منذ ولادتهم. إذا، أنت، أيها “اللبناني”، لست لبنانياً، فأنت منذ لا وعيك، أي منذ طفولتك، موسوم طائفياً. عبقرية جهنم الطائفية ابتكرت قانوناً يلزم الطفل المولود، بانتمائه إلى طائفته، وعندما يكبر، ينتمي إلى البلد من خلال طائفته. الطريق العلماني أو المدني مقفل قانوناً. والدولة لا تتعرف إلى رعاياها إلا من خلال الرحم الطائفي. أنت أيها اللبناني، ابن الحبل الطائفي. أنت طائفي مذ كنت في أحشاء أمك… ولنفرض أن الأهل طلبوا أن تسجل كعلماني، فإنك لن تجد خانة تضم العلمانيين. سجل النفوس يحصي “اللبنانيين” طائفياً. وهذه بدعة عبقرية، لأن الطائفة، وهذا مهم جداً، لم تعد بناء سياسياً من فوق، بل هي بناء منذ البدء على الطائفة. وعلى هذه القاعدة يمتنع كل بناء سياسي غير طائفي…

والسخرية، أن اللبنانيين يرفعون أنفهم عالياً، عندما يتحدثون عن الفرادة اللبنانية. كذب. عهر. تدجيل. تفشيط. ليس هناك أنذل وأحط وأحقر من هذا البناء السياسي الطائفي. ولا يظنن أحد أن احتدام الطائفية الراهن هو مستجد. إنه الأصل، وهذه فروع. فالطائفي حقير، وأميّ، وتافه، وساقط، ومنحط، وعنصري، وكذاب. (خاصة عندما يتحدث عن التوافقية والمناصفة). الطائفي، ولو كان أستاذاً جامعياً، أو مديراً عاماً، أو قاضياً ممتازاً أو في أي سوية جامعية، أو اجتماعية… هو كاذب ومنحط. وما يقال عن عامة الطائفيين، يقال أيضاً عن زعمائهم الذين يسوسون اتباعهم وانذالهم، بعض التخويف من العديد الطائفي المناوئ.

وسادة الطوائف لا يخسرون أبداً. وكلهم سواسية كأسنان المشط. يختلفون على كل شيء، بدءاً مِن منْ هو العدو ومن هو الصديق. “أعدائي أنا الطائفي، هم أصدقاؤك أيها …

لذا…وعليه… لا تتفاءلوا أبداً. الماضي كان سيئاً ومأساوياً، والآتي كارثي وتراجيدي. لا تعوَّلوا على مساعدات الغرب. سيأتي منها القليل. وإذا كانوا كرماء كوفئوا بموطئ قدم، من رأس الهرم السلطوي إلى ألفباء التربية.

الغرب قادم ليأخذنا إليه. كثيرون سيشكرون، وكثيرون سيشتكون. القادمون من وراء البحار والصحاري، كرماء جداً مقابل أن يصيروا شركاء، خفية أو علانية. أميركا الأخطر، ليست بحاجة إلى إذن من أحد. إنها هنا دائماً ولا مفر منها. وكذلك فرنسا. وهذا يريح جداً أصحاب الكاردينال بشارة الراعي. فحياده منحاز جداً. لا يعَّول عليه. فقاعة بائخة. يكفي أن تقف طائفة ضده، حتى يصبح الحياد مشكلة المشاكل. ونحن تكفينا مشاكلنا المزمنة.

لذا، ومن البداية. فكروا بالأسوأ.

هذا هو لبنانكم، فتقاسموه إن شئتم. وهذا هو لبنانكم الذي يموت على أيديكم.

يا شعب لبنان العظيم… لم يُبقِ لك الحكام سوى العظم، فتناتشوه.

إنما، لا تحلموا أبداً بوطن. أما أنتم يا أيتام العلمانية والديمقراطية والعدالة، فالمطلوب منكم أن تجترحوا معجزة البديل. أنتم البديل، ولكنكم غير جاهزين بعد.

إلى متى؟ الساحات بانتظاركم. والمسيرة يجب أن تبدأ منذ الأمس. وإذا لم يكن ذلك كذلك… فوداعاً لبنان.

Exit mobile version