طلال سلمان

أيتها المباركة من دون تطويب

(كلمة ألقيت في 14-8-2015 خلال احتفال أقامته لجنة حقوق المرأة اللبنانية ـ في رعيت البقاع لتكريم السيدة ليندا مطر وتوقيعها كتابها «محطات في حياتي»، ونعيد نشره اليوم بمناسبة وفاتها)
الصبية ليندا مطر
يمكنني أن أصيح بهذه «القديسة» التي تُكرم الآن:
ألم تتعبي يا امرأة يجللك الشيب الذي يكاد يكون بعض اسمك ورمزاً لنضالك الطويل في مقاومة الغلط الفاضح في سلوك الدولة؟ وأكاد أضيف: والمجتمع في موضوع سُحب من التداول في معظم أنحاء العالم، وهو ما يتصل بحقوق المرأة ـ الأم، الحبيبة، الزوجة التي تمنح عمرها لأبنائها والبنات، والتي كان محجوراً عليها في بيت الحريم فخرجت إلى النور والى العمل وبذل الجهد، كما الرجال وأكثر، وأبدعت في مجالات عدة.. بل إنها طبعت هذا العصر بمشاركتها الجدية في الإنتاج، بغير أن تنسى أن تعطر حياتنا بالحب والحب والمزيد من الحب مخففة عنا ـ نحن الرجال – أثقال مواجهة الأعباء المستمرة في التعاظم وأخطرها الافتراق في المفاهيم كما في العادات والتقاليد بين الأهل والأبناء ذكوراً وإناثاً، وهذا موضوع خطير لا يتسع له مجال الحديث في هذا المقام.
نعود إلى ليندا مطر التي لا تتعب، ولا تيأس، ولا تشيخ ، تتقدم الصفوف مستنهضة همم النساء، ملقية على الرجال (ممن هم في السلطة، سلطة البيت كما سلطة الدولة) الاتهام الخطير بأنهم ظَلَمَةٌ، يقهرون نساءهم ويحرمونهن من أبسط حقوق الإنسان.
الطريف أن الاتهام يطال مقهورين.. من قال إن الرجال في لبنان يتمتعون بحرية الاختيار، لا سيما في السياسة، ثم في السلوك الاجتماعي طالما استمر الماضي يسيطر على حياتنا بمفاهيمه وطقوسه العتيقة؟
كان الأمل في انتعاش الحياة السياسية، وتقدم الثورة الفكرية وشمولها بلادنا جميعاً. لكن الثورة أُجهضت بالطائفية التي، مع الأسف الشديد، أعيد توظيفها في السياسة، فكادت تدمر وجوه التقدم على المستوى الاجتماعي.
إن علتنا الخطيرة، وأكاد أقول القاتلة، هي الطائفية. إن هذه العلة تضربنا أطفالاً، وتلامذة في المدارس، وطلاباً في الجامعات. تمنع تقدمنا إلى حيث تسمح لنا مؤهلاتنا.
لكن ليندا مطر لا تعرف اليأس. تقاومه وتقهره بالأمل ومعه العمل والاستغراق في العمل حتى نسيان العمر والانصراف إلى العائلة. هي ترى في نساء لبنان جميعاً عائلتها. تناضل من أجلهن حتى لو لم يعرفن، أو لم يشاركن، أو اندفعن إلى التساؤل عن أهداف هذه القديسة الشيوعية التي يجللها الشيب: ماذا تريد هذه التسعينية، ولماذا تحرّض دولتنا التي ليست دولة؟! ألم تيأس بعد؟
يا ست ليندا: أيتها المباركة من دون تطويب بين القديسات: جهدك مبارك، وقهر اليأس درس للشباب – فتيانا وصبايا – أن يكملوا الرسالة التي بها يؤمنون.
ليكن لكِ من العمر قدر ما تستحقين، أو «طالما العمر بيلبقلك».
وكل عمر جديد وأنتِ بخير.
Exit mobile version