طلال سلمان

أنهوا مهزلة تشكيل الحكومة.. قبل أن يصلنا طوفان الدم!

هذه المقالة نشرت في “السفير” بتاريخ 26 تشرين الاول 2009، ونعيد نشرها اليوم تاركين لكم التعليق

يجب أن تنتهي هذه المهزلة المهينة والمحقّرة لعقول اللبنانيين وكراماتهم والمسيئة إلى رصيدهم المعنوي ومصالحهم الحيوية في عالمهم العربي.

يجب أن تتوقف الإهانات اليومية المتعمّدة التي تصوّر لبنان كائناً خرافياً من خارج هذه الدنيا، كل ما فيه “مختلف” و”غير طبيعي”، تمارس “طبقته السياسية” الموبقات جميعاً، من الابتزاز إلى الرشوة، عبر الاتجار بالطائفية والمذهبية، وتقود قطعاناً من المأفونين والمتعصبين والقتلة الذين يمكن دفعهم إلى التذابح ببعض الخطب المهيّجة أو بعض الفتن المدبّرة، تمهيداً لعقد الصفقات الجديدة في توزع المغانم والمكاسب ومواقع السلطة…

يجب أن يتم تشكيل الحكومة الخرافية، التي يتم تصويرها تارة وكأنها إنجاز القرن، وطوراً وكأنها المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والخل الوفي، بينما هي في حقيقة الأمر مجرد حكومة فاشلة أخرى لن تنجح في ابتداع المعجزات: فلا هي ستكون مؤهلة للقضاء على الطائفية، والطائفية هي الوالدة والقابلة، ولا هي ستكون قادرة على الإصلاح المنشود، فالمساومات على المقاعد والحقائب بحسب “غلتها” تستبق الاتفاق وتلغي الأمل في وقف الانهيار… ثم إن هذه الطبقة السياسية عاقر، لا تهتم إلا بمصالحها ولو على حساب الشعب والدولة والوطن جميعاً.

إنها مجرد حكومة، يستولدها ظرف انتقالي يعيشه لبنان، بفضل هذه الطبقة السياسية، وكأنه فاصل بين جولتين في حرب أهلية لا تنتهي!

لسنا نملك ترف العيش في ظل الفراغ القاتل في السلطة، أو الصدام من حولها، بينما خزينة الدولة مثقلة بديون سوف تستهلك جيلاً أو جيلين من الرعايا الصالحين…

ومن حقنا على هؤلاء الذي قفزوا إلى مواقعهم المؤثرة على أكتافنا، وبفضل العصبيات التي استثاروها فينا، أن يوقفوا لعبتهم العبثية التي تنذر بأن تتحوّل دموية، والتي تكلفنا ما هو فوق طاقتنا من سمعتنا ومن رصيدنا ـ كمجاميع أفراد ـ في دنيانا العربية أو في العالم البعيد.

إن طوفان الدم يغمر الأرض العربية، من حولنا، تفجيراً وقتلاً جماعياً وحروباً أهلية لا يفيد منها إلا المهيمن الأجنبي (وهو أميركي أساساً) وإلا الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز في عنصريته وفي ولعه بالدم، كل الحدود.

إن أنظمة عربية عديدة تنهار في ظل مذابح يرتكبها الحاكم الفرد ضد شعبه، وتمزقات تهدد كيانات سياسية قامت بالأمر وباتت حقيقة سياسية لا بديل عملياً منها إلا التشتت والضياع عن الأهداف الأصلية.

إن العراق غارق في دماء أبنائه، والاحتلال الأميركي ينفض طوقه من المسؤولية عن المذابح الجماعية والتفجيرات القاتلة الحاضر والمستقبل، والمتصارعون على السلطة بالأحقاد الطائفية والمذهبية ينهبون خيرات العراق بالشراكة مع المحتل وزبانيته والسماسرة.

ودولة الوحدة في اليمن، التي كانت أملاً بعيد المنال، تتفكك بالقصف المدفعي وغارات الجيش الذي كان ضمانة الوحدة والدولة، وحاكمها يهدد بحرب ضد “المتمردين” الذين هم بعض الشعب، قد تمتد لعشر سنوات..

أما فلسطين فقد تحولت قضيتها المقدسة إلى بازار تصفية مفتوح على مصراعيه ينافس فيه المزايد المناقص على الأرض وحلم الدولة، ولا يتبقى غير أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم هدى للدفاع عن حرم المسجد الأقصى وحق الأذان فيه، تحت وابل من رصاص الاحتلال الإسرائيلي في ظل التخلي العربي والإسلامي الذي يتخذ من خلاف قيادات الفلسطينيين الذريعة، في حين أنها نتيجة ذلك التخلي أو المبالغة في الاستقطاب وتحريض البعض ضد البعض الآخر!

لنتصور كم أنجزت إسرائيل، سياسياً، خلال فترة التكليف ومشاورات التأليف المستحيل: لقد طوّعت الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي رأى كثيرون في لون بشرته “إنجازاً تاريخياً”، بل هي زادت من مطالبها حتى تجاوزت بها أي حد وكل حد! وأجبرت الرئيس الأميركي الخطير على سحب تعهداته و”اقتياد” رئيس السلطة الفلسطينية مخفوراً إلى لقاء إذلال مع بنيامين نتنياهو، مما وفر لحكومة التطرف الأقصى في إسرائيل أن تحظى بصورة التنازل عن أساسيات الحق الوطني الفلسطيني مجسمة… وبالألوان!

لقد آن أن تنتهي المفاوضات للمفاوضات، بين “الأقطاب” وحفلات الحرد والامتناع عن التلاقي، ثم تجديد “الحكي”. انصرف عنا المهتمون برعاية التوافق بين أقطاب “الطبقة السياسية” التي باتت تملك مزيداً من المال وفائضاً في الوقت، وتهرب من المسؤولية عن نظامها الذي يوفر لها المنافع والفوائد والزعامة بإذلال رعاياها.

كاد الغرب بالقيادة الأميركية ينجز المفاوضات مع إيران حول الملف النووي.

وكادت تركيا تحقق قدراً من التكامل مع سوريا، يواكبه بعض الانسحاب من العلاقة التاريخية مع إسرائيل.

فكفى استهزاءً بعقول اللبنانيين. كفى تحريضاً على هذا النظام الطوائفي الذي لولاه لما حكمت أو تحكمت هذه الطبقة السياسية. كفى احتقاراً لقدرة اللبنانيين على التلاقي من فوق رؤوس الملوك المتوّجين لهذه الطبقة السياسية.

كفى أيها السادة المتحكمون.

إنها، في نهاية الأمر، “حكومة”. مجرد حكومة ستسرع في انهيار البلاد بالإفلاس أو بالحرب الأهلية، وهما متكاملان ومتلازمان. والتأليف قد يمنح فرصة لالتقاط الأنفاس في انتظار ما يقرره “الكبار” فهل من الضروري أن يتم اغتيال لبنان بحكومته، قبل ذلك الموعد المرتقب؟!

Exit mobile version