الانتصارات ممنوعة. وحدها الهزائم تليق بنا. هكذا كان تاريخ عرب ما قبل 25 أيار 2000. الأنظمة تذهب الى الحروب مع “اسرائيل”، تخسر وتستمر. تعيش على امجاد الهزائم. هذه تكون مناسبات للتهديد والوعيد. وحدها الشعوب ذاقت طعم الهزائم العربية. الاستبداد العربي بنى مجده على إخضاع شعوبه والتنكيل بها.
اعتادت المعارضة على تواضع أهدافها. لم يكن ذلك خياراً بل إلزاماً. بطش السلطات كان كافياً لوضع سقوف متواضعة لحراكها. ومع ذلك، فقد كوفئت بالكثير من التنكيل والقمع والتعذيب. حجة الأنظمة فلسطين، فيما فلسطين تستقبل دماء المقاومين بكثير من الأمل وبعد طول انتظار.
انشغلت الأنظمة في ابتداع وسائل منع المقاومة الفلسطينية. حجج كثيرة ساقتها أنظمة الهزيمة. الملكية والأميرية والجمهورية، كي “تعقلن” المقاومة. فتارة التوقيت مدان، الانجرار الى معركة مدان، القتال تخريبي ومدان… الإدانة والمطاردة، كانت السياسة الرسمية لأنظمة التخاذل. الطعن في الظهر كان لغة التخاطب مع المقاومة.
لا هدف غير إزالة سلاح المقاومة أو تجريد المنظمات منه. قامت المقاومة الفلسطينية بواجبها فوق طاقتها. أخطأت وما تخاذلت عن العطاء.
ارتاحت الأنظمة بعد اتفاق أوسلو. لكن فاتها ان مقاومة لبنانية نشأت من كارثة اجتياح لبنان في العام 1982. مقاومة بعناوين يسارية وقومية ووطنية وإسلامية. كان لبنان آنذاك منصرفاً الى حروب عبثية بين الأخوة الأعداء. تفردت المقاومة الإسلامية بأنها اعتزلت الاقتتال في الداخل وانصرفت الى قتال الاحتلال الإسرائيلي، حتى تم تحرير الجنوب والبقاع الغربي.
ولأول مرة، تهزم اسرائيل وتلزم بالانسحاب من لبنان من دون قيد أو شرط.
لا تحتمل أنظمة التخاذل الانتصار. كادت له. خرجت أصوات من لبنان تطالب “حزب الله” بالتخلي عن سلاحه والعودة الى “بيته” الطائفي فقط: انت يا “حزب الله”، مرفوض كمقاومة ومقبول كفريق شيعي سياسي. أي، مثلك مثل غيرك.
فات هؤلاء ان هذا الطلب ساقط. وأن للانتصار من يحميه. كادوا له. تعاظمت الخصومة. مقابل ذلك، كانت المقاومة محتضنة من بيئتها ومن جماعات عقائدية وسياسية، ترى الى فلسطين قضية تسبق كل القضايا الأخرى. صارت المقاومة نموذجاً يحتذى في قلب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. انطلقت الانتفاضة الثانية. تحركت دمشق لتكون على مسافة موازية لساحات المقاومة. ظلت إيران على وعدها ووعيدها. كانت طهران أقرب الى فلسطين من الأنظمة العربية المتخاذلة. الساعية لتطويق الانتصار وإفراغه من مضمونه السياسي.
فجأة، ضربت “القاعدة” في نيويورك. الإرهاب الإسلامي يعطي الحجة والذريعة لأميركا لتخوض حروبها ضد فلسطين. يومها كانت خريطة القتال، بعد افغانستان، تلحظ اجتياح العراق، اسقاط النظام في سوريا، و أو الانتفاضة في فلسطين وإشغال المقاومة الاسلامية في الهموم اللبنانية. وعوض أن يتوج انتصار المقاومة نصراً للبنان، تم رسم صورة للمقاومة بأنها ضد الاستقرار وضد النمو الاقتصادي، وضد التوازن الطائفي. جريمة التمييز بين السنة والشيعة بدأت من دويلات الخليج بدعم سعودي وهابي.
أعطى الإسلام السياسي حجة للسنة ليكونوا في صفوف العداء للمقاومة الإسلامية في لبنان بحجة تشيعها.
الانتصارات ممنوعة. الهزائم تليق بنا. كان دفاع اولئك دفاعاً عن الهزيمة فقط.
عدوان تموز الدولي. كان مكافأة لقوى الهزيمة. استنكرت السعودية إقدام “حزب الله” على التفرد بالقرار. ارتفعت أصوات في لبنان تتهم الحزب بأنه صادر قرار السلم والحرب وأدخل البلد في متاهة السقوط. تصدرت أميركا عنوان “الشرق الأوسط الجديد”.
وكان ما كان. فازت المقاومة في لبنان وصدّت عدوان تموز، وحققت توازناً عسكرياً أساسياً في ساحات القتال وفي ساحات التفاوض غير المباشر… رضخت اسرائيل، ولم ترضخ أنظمة الهوان. راحت تعزف على معزوفة التشيع، وكان لها في هذا المضمار إصابات.
لم يعد السؤال كيف ننتصر، بل كيف نحافظ على الانتصار؟ دخل العرب الفتنة الشيعية ـ السنية. الشيعية معبر عنها في المستوى السياسي، انها شيعية ضد اسرائيل. على المستوى الطائفي، يعبر عنها انها ضد الاسلام السني.
الانتصار الأول في حزيران الألفين. أضعفه الإعتداء على برجي نيويورك في أيلول 2001. حوصرت المقاومة في لبنان، اتهمت باغتيال الحريري. صارت القطيعة السنية الشيعية حاضرة.
الانتصار الثاني في تموز 2006، حاصرته الفتنة السنية ـ الشيعية على امتداد مساحة ما بعد الربيع العربي المغدور.
ان صيانة الانتصارين شرط لتحقيق الانتصارات التالية على اسرائيل. خطران إثنان في صفوف الأعداء. خطر الفتنة، وخطر الإسلام الجهادي التكفيري.
حبذا لو كان الانقسام وطنياً. لكننا في بلاد تجيد الصلاة… بالخناجر والسيوف والبنادق وأسلحة الكراهية والأحقاد.
لماذا كل هذا يا الله؟