يتجاوز لقاء الأمس بين الرئيسين المصري والسوري، في دمشق، إطاره الدوري المعتاد بسبب ما يحيط بتوقيته وبجدول أعماله ممّا فرضته التطورات المتلاحقة على أرض فلسطين ولقضيتها العربية التي تبدو اليوم مهددة بأكثر مما كانت في أي يوم مضى.
والأمر يتصل، أساساً، بالموقف الأميركي »الجديد« الذي وفّر غطاءً قوياً للتطرف الإسرائيلي ولجنون الدم الشاروني بما يتجاوز كل التوقعات التي كانت تفترض أن الوقائع الصلبة للقضية الفلسطينية بكل ما حظيت وتحظى به من تأييد عالمي، وما أحدثته وتحدثه من تداعيات في »المجتمع الإسرائيلي« ستفرض على »الجنرال الذي لا علاقة له بالسياسة«، (كما وصف الرئيس المصري حسني مبارك أرييل شارون) التعديل في منطقه وفي أساليبه أو السقوط ملتحقاً بأقرانه الذين ذهب بهم تطرفهم من قبل..
ذلك أن موقف الإدارة الأميركية (الجديدة) الذي تميّز ببرودة ملحوظة تجاه الموضوع الفلسطيني مع مباشرته السلطة، قبل عام، قد تدهور إلى الإهمال فإلى التخلي ومن ثم إلى الانحياز إلى المسلك الإسرائيلي الدموي في التعامل مع قضية هذا الشعب الضحية.
الخطورة في الأمر أن هذا الانحياز الأميركي قد برّر نفسه وكأنه »انتقام« من »ضلوع« عربي ما، أو من »تراخ« عربي ما في موضوع »الإرهاب الدولي« ممثلاً بحكومة طالبان ومعها أسامة بن لادن في أفغانستان.
وما كان بوسع أرييل شارون أن يمضي في نهجه الدموي إلى حد تهديد ياسر عرفات بالقتل وإلى حد »إبادة« رموز سلطته ومقراتها، فضلاً عن مسلسل اغتيالاته للناشطين من قيادات الشعب الفلسطيني وكادراته ذوي التأثير، لولا أنه لاحظ ذلك التبدل النافر في موقف الإدارة الأميركية من العرب عموماً، بعد تفجيرات 11 أيلول، والذي لا يمكن وصفه بأقل من »الاستهانة« بهم واستبعادهم بمجملهم عن موقع »الحليف« أو »الصديق« برغم محاولات بعضهم المبالغة في إظهار الولاء والتبرؤ من »الإرهاب« و»الإرهابيين« والأفغان عرباً وطالبان!
ومع أن الرئيس مبارك كان يحاول، بإيفاد وزير خارجيته اضطراراً للقاء شارون، إنقاذ ما يمكن إنقاذه من السلطة ومن الاحتمالات المتهاوية لإعادة طرح الأبعاد السياسية للقضية الفلسطينية، فإن الصلافة التي تصرف بها »الجنرال الذي لا يفهم في السياسة« إنما تكشف تشجيعاً أميركياً لسياسة الأرض المحروقة التي يتبعها شارون في الأرض الفلسطينية المحتلة، والأخطر: أنها تكشف استهانة أميركية برد الفعل العربي المحتمل.
كذلك فهي تكشف الاستهانة بالمواقف المبدئية للاتحاد الأوروبي وروسيا والصين الخ..
لكأنما شطبت الإدارة الأميركية من حسابها أية إمكانية لموقف عربي مؤثر على سياساتها في المنطقة… إن لم نقل إن واشنطن »تعاقب« العرب في فلسطين على ما جرى في أفغانستان، ممّا لم يكن لهم فيه يد أو دور إلا ما كلفت به بعضهم ذات يوم.
المهم أن يشكل هذا اللقاء السوري المصري المتجدد نقطة انطلاق جديدة لموقف عربي أكثر جدية في مواجهة »العقوبة« الأميركية الجديدة، بما يلجم شارون ويجبره على أن يفهم في السياسة وأن يتعاطاها بواقعية وإلا…
والمشكلة في ما بعد »وإلا…« الفضّاحة هذه، والتي ستظهر آثارها غداً في المؤتمر الوزاري للمسلمين قبل أن تظهر في مواقف الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وسائر الأمم!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان