عن البرازاني.. مبتسماً!
التقيت الزعيم الكردي الراحل مصطفى البرازاني، اول مرة، في منطقة “جلالا”، شمالي العراق، التي يخترقها نهر صغير، تحيط بمجراه، غابة من اشجار الصفصاف والحور، فتنشر الرواء من حوله وتنعش العابرين.
معروف عن الزعيم البرازاني انه نادر الابتسام، قليل الكلام، جامد الملامح حتى لكأن وجهه قدّ من صخر..
كنا مجموعة من الصحافيين، عرباً واجانب، وكان بيننا مراسل أوسترالي طلب الينا أن نناديه “روب” فاكتفينا بهذه التسمية.
لم نكن، يومئذ، نعرف الكاميرا المزودة بـ”موتور درايف” والتي يمكنها أن تلتقط عشرات الصور، وربما مئات الصور، بضغط متواصل على زر التشغيل… ولقد انهمك “روب” بالتقاط افلام عدة للزعيم الكردي، المتجهم باستمرار، والذي غادر الابتسام منذ زمن بعيد.
كنا نتناوب على توجيه الاسئلة، والبرازاني يجيب بكلمة او كلمتين، او بهزة من رأسه تاركاً لنا تفسيرها، هل تعني “نعم” ام “لا”؟
وكان نظام صدام حسين قد طرح، آنذاك، مشروع نظام فيدرالي لتسوية الازمة الكردية.. وكان يهمنا أن نعرف رأي “الملا مصطفى” الذي رحب مبدئياً، ثم عدد عشرات التحفظات، في انتظار أن تتم مناقشة المشروع واعداد الصياغة النهائية له.
ولقد تعلمت من المصور “روب” درساً مهنياً ممتازاً. سألته: لماذا هذا الاسراف في التقاط عشرات الصور لرجل واحد؟
قال روب: الم تلاحظ ان وجهه قد قُدّ من صخر. انه يكاد يكون بلا ملامح. فهو لا يبتسم، ولا ينفعل ويجيب على اسئلتكم المختلفة وكأنه قد سمعها من قبل، وبالتالي فهو يردد ما سبق أن قاله في مقابلات سابقة كثيرة.
قلنا : لم تجبنا بعد عن سؤالنا..
قال “روب”: عليّ في مثل هذه الحالات أن التقط عشرات وربما مئات الصور، لكي يألف اصوات “تكتكات” الكاميرا حتى ينساها، فاذا ما نسيها ارتاحت ملامحه وعاد إلى حالته الطبيعية، فيغضب او يرتاح فيبتسم، وعندها يتبدى في صورته الاصلية المتحررة من وضعية الزعيم المعارض او الثائر او الغاضب، وقد يبتسم لسؤال او لطرفة تروى له او لسؤال يراه قديماً ومستهلكاً فترتاح ملامحه، وقد يضحك، وهذا نادر، فتكون تلك هي اللحظة التي انتظرها لالتقاط “صورة طبيعية” لهذا الرجل المتجهم دائماً والذي يمكن أن تكون صورته، وهو مبتسم، سبقاً صحافياً نادراً.
أما جلال طالباني..
على النقيض من “الملا مصطفى” فان “كاكا جلال” (وكاكا تعني الأخ او السيد..) ظريف جداً، حاضر النكتة، انيس المعشر، عظيم الثقافة، يعرف العالم كله، والعرب خاصة، ويعيرهم بان معظم قادتهم، لا سيما في الاحزاب الشيوعية والتقدمية هم من اصول كردية: “باوع كاكا، هذا خالد بكداش، زعيم الحزب الشيوعي السوري كردي، وهذا عزيز محمد زعيم الحزب الشيوعي العراقي كردي، وهذا زعيمكم في لبنان كمال جنبلاط اهم كردي او من اصول كردية… وهؤلاء جميعاً من نفايات الاكراد وقد جعلناهم زعماء عليكم، فتواضعوا قليلاً وأنتم تتحدثون معنا او عنا”.
ولقد استضافني “كاكا جلال” ذات زيارة للسليمانية في بيته، واهدانا ثوباً كردياً، مؤلفاً من سروال وسترة وزنار عريض وخنجر بقبضة مفضضة.. وحين حاولت أن ارفض الخنجر قال: خذه، فأنت تستحقه، والا سوف يناله أي “نصاب” تسوقه المقادير إلى زيارتي!