لم اعرف مناضلة عربية فلسطينية الايمان صادقة الجهاد من اجل “القضية العادلة” مثل مونيكا مورر.
أن هذه القديسة السبعينية تزداد شبابا كلما قدمت جهداً إضافياً للقضية العادلة التي آمنت بها فأعطتها جهد العمر: فلسطين..
ولست ابالغ حين اقول إن هذه المجاهدة قد أعطت فلسطين أكثر مما اعطاها القادة من ذوي الالقاب المفخمة.
لقد عرفتها منذ عشرين عاماً، او يزيد قليلاً، عبر مشاركتها كل عام في موسم حج المناضلين الاوروبيين، طلاينة وفرنسيين وألماناً، فتأتي معهم لنحيي معاً ذكرى مجازر صبر وشاتيلا في النصف الثاني من ايلول سنوياً.
كانت ابتسامتها تشع املاً وتبعث فينا الرجاء من خلال التأكيد اننا لسنا وحدنا، وان مناضلي العالم لم ينسوا مجزرة صبرا وشاتيلا ولم يغفروا للسفاحين الاسرائيليين الذين اشرفوا على تنفيذها مع الاسف الذي يتجاوز الحزن، بأيدي ميليشيات طائفية كانت ترى في الدم الفلسطينيين طريقاً إلى السلطة.. عبر تل ابيب.
كانت مونيكا مورر مختلفة عن رفاقها، فهي مبدعة وابداعها مرتبط بالنضال الفلسطيني.. ويمكن اعتبارها، بحق، مؤسسة توثيق لهذا الجهاد الاسطوري في مختلف مراحله.
قبل ايام عُرض في “دار النمر” فيلم وثائقي عن مذبحة مخيم تل الزعتر، الذي كلف مونيكا مورر جهدا دؤوباً اتصل لسنوات طويلة، حتى استطاعت انجازه بالتعاون مع حافظة نضال المبدع جان شمعون ورفيقة عمره المجاهدة مي المصري.
كان الشريط جارحاً في وقائعه القاسية التي وثقت جريمة الميليشيات في مذبحة تل الزعتر حتى إفراغه من عشرات الآلاف من سكانه واللاجئين اليه اللبنانيين الفقراء الذين كانوا يعملون مع فقراء الفلسطينيين في بناء قصور الاغنياء على التلال المحيطة.
يسرد الناجون من الضحايا يوميات القتل الذي استهدف سكان المخيم جميعاً، دون تمييز بين الرجال والنساء والاطفال، خصوصاً الاطفال، والذي استمر لأيام قائظة من شهر اب 1976، ولم يوقف المذبحة فيه دخول قوات الردع العربية بالغالبية السورية فيها.
يتوالى السرد مع مشاهد من داخل المخيم المكتظ بالسكان، والذي كانت تتناقص فيه اسباب الحياة، فضلاً عن اسباب المقاومة يوماً بعد يوم: يقدم مشاهد للمقاتلين وهم يحاولون صد الهجمات، وتضاؤل المساعدة، وتفاقم عدد الضحايا، رجالاً ونساء واطفالاً.
ومع انتهاء العرض كانت الدموع تغطي وجوه جميع من حضره.. الا مونيكا التي أمضت سنوات طويلة، تجمع الوثائق، والصور، والافلام، وتستمع فتوثق شهادات الناجين من اهل المخيم، رجالاً ونساء وفتيات وشبانا وفتية يافعين، بينهم من شارك ـ مضطراً ـ في القتال، حيث لا مفر ولا باب للنجاة … حتى أمكن التوصل إلى اتفاق اضطراري لإجلاء من بقي حيا من اهل المخيم ورفاقهم في الدكوانة والنبعة ـ ومعظمهم من اهل الجنوب، إلى “بيروت الغربية”.
كانت ابتسامة مونيكا تغطي القاعة الصغيرة التي عرض فيها فيلمها الذي باشر انتاجه الراحل جان شمعون مع رفيقة عمره مي المصري، ثم غادر قبل أن ينجز هذا الشريط الذي يُدين الميليشيات الطائفية وكل من سهل لها جريمتها وغطاها.
تحية إلى المناضلة، نموذج الصدق والوفاء والانسانية الصافية، عدوة العنصرية والصهيونية والطائفية.
مونيكا مورر: أنتِ مثل أعلى للمناضلين والمناضلات من اجل حق الانسان في الحياة، قبل الوصول إلى “الحياة الافضل”.