يتعذر على اللبنانيين أن يفرحوا معاً، أو أن يحزنوا معاً. تفوتهم المناسبات لا الانتصارات توحدهم ولا الأحزان تجمعهم. هكذا على جاري عادتهم في التنابذ.
انتصار الجرود، أنفقه اللبنانيون سدى. طعنوا الانتصار وشككوا به. رأى فريق أن المقاومة سرقت انتصار الجيش، رأى أن التنسيق خيانة. رأى أن السيادة انتهكت. رأى في خطب “السيد” استفزازاً واستعراضاً وإحراجاً. أفرغوا الانتصار من معناه وثرائه، ولو استطاعوا، لساقوا “مرتكبي” الانتصار الى المحاكمة.
لم يكن ذلك غريباً. هذا دأب اللبنانيين، تغريهم الفتنة ويطيب لهم الانقسام. كل هذا مفهوم وله جذور في الذات اللبناني. ما يفرح فريق يحزن الآخر. المشكلة في الترجمة السياسية. فليفرح المنتصرون على الملأ، وليغضب الخاسرون ملء حنقهم. المشكلة في كيفية التعايش الإلزامي.
الحكومة مؤلفة من أفرقاء متنابذين، اجتمعوا على إدارة الفئات. القضايا الكبرى، المقاومة، الإرهاب، المعارضة السورية، الملف السعودي، الحلف الإيراني … كل هذا ليس من اختصاص الحكومة، المشكلة أن البعض في الحكومة يريدها على طراز الحكومات الديمقراطية التمثيلية. يظنون، وهم على خطأ، أن مثل هذه الحكومة قادرة على، بل واجب عليها، أن تتعاطى القضايا الكبرى. كقضية السيادة، وامرة السلاح، ووحدة الموقف، وتناغم الخارجية مع الجميع. كل هذه القضايا، ليست من اختصاص الحكومة. التعامل معها يتم بالتهريب، بالتعامي، بقرارات تؤخذ في غياب الحكومة، الى آخره.
“القوات” يزايد على الوطني الحر في مسألة السيادة، وأمرة السلاح، بجيش من وما تبقى من 14 آذار. الغاية ليست في تحقيق السيادة. بل أحراج الحليف، بحليف.
“التيار الوطني الحر” مع رئيسه. ورئيسه يصمت أو يومئ من بعيد الى قرارات اتخذت في غفلة عن الحكومة. يسكت “المستقبل” عن الرئيس، ليعلن اتهامه لحزب الله. والاتهامات من عيار الاستئثار والابتزاز والتبعية و”تنفيذ الأجندة الإيرانية”.
كلهم على حق في ما يقول، من زاوية مصلحته وطائفته. وأخيراً، يلتئم الجميع في مجلس الوزراء، لمتابعة الجدل البيزنطي حول ملف الكهرباء، وحول السلسلة، وحول النفايات، وحول ما لا حول له ولا قوة أبداً.
السؤال الاستراتيجي المطروح، وليتجرأ الجميع على الغوص فيه، هو التالي: “حزب الله” ليس قوة في لبنان وحده. انه حاضر في سوريا، غير مختبئ في العراق، علني في دعم المعارضة في البحرين، ويحمل السعودية، حليفة نصف اللبنانيين، بما حصل في سوريا وفي العراق وفي البحرين، وفي اليمن و .. حزب الله، ليس في الخطوط الخلفية. مقعده الى جانب حلف المنتصرين “روسيا وإيران والنظام” له فعله اليوم، له كلمته غداً، ويبدو أن الغلبة في اقليم التماس مع لبنان، لهذا الفريق، وليس “للتحالف الدولي” الذي أنجز نصرة الأكراد على العرب في العراق وسوريا.
كيف سيتعامل اللبنانيون مع هذا الجديد الوازن، في الداخل وفي الخارج. يخطئ من يظن أن “حزب الله” سيتهاون بإنجازاته.
قد لا يرد على الكلام إلا بالكلام. إنما المساس بالأوزان غير مسموح. الجهة الوازنة إقليمياً والتي هي على تماس مع لبنان، هي الجهة التي يعتبر فيها “حزب الله”، ليس قوة اسناد، بل قوة انتصار وقرار.
بمعنى آخر، مع هذه الحكومة أو مع سواها، لن ينسحب حزب الله من الإقليم، كرمى لعيون معارضيه. مثل هذا يثقل على خصومه داخل الحكومة، التي يعتبرها “حزب الله”، حائط صد عنه، فلا يطعن بقرارات وصياغات تلاقي الأميركيين في حربهم المفتوحة على “الحزب”. مثل هذا فتيل فتنة. سيبقي “حزب الله” جزءاً من المعادلة الإقليمية، القوية، والمستقوية، إذا كانت خاتمة الحرب، سياسياً، تحافظ على مكاسب الميادين.
يصعب على من تبقى من 14 آذار، القبول بذلك. ولكنه عاجز عن تقليد “حزب الله” في مساره الإقليمي الجديد. يرفض لفظاً ويغضب موقفاً ثم يلتزم اتفاق الضرورة. سيبقى لبنان يعرج على انقسامه. قوة الفريق المدعوم سعودياً لا توازي قوة “حزب الله” الذي هو اليوم، بمثابة الشريك الأساس، في حروب الإقليم وانجازاتها. سيضطر سعد الحريري الى نسيان خطابه السياسي القديم. سيبقى بلا خطاب جديد. اذ، ماذا سيقول؟ والرئيس ملتزم بتفاهم أصيل مع المقاومة، ويرى فيها حاجة للبنان، الى جانب الجيش والشعب.
إنما، حذار إشعار السنة بالمظلومية. المظلومية هذه، اصداؤها في المنطقة، جليلة ومسموعة. والعالم العربي اليوم، وفي معظمه السني يفوز بمظلومية ويتخبط في الفشل. وقد يرتكب الخاسر جريمة، حذار من الغلبة التي تستدرج المظلومية.
هل من يتعظ مما سبق من غلبة ومظلومية في لبنان.